كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحكم بن عبدل ونسبه

صفحة 609 - الجزء 2

  أنّ الحكم بن عبدل الأسديّ أتى محمد بن حسّان بن سعد التّميميّ وكان على خراج الكوفة، فكلَّمه في رجل من العرب أن يضع عنه ثلاثين درهما من خراجه؛ فقال: أماتني اللَّه إن كنت أقدر أن أضع من خراج أمير المؤمنين شيئا؛ فانصرف ابن عبدل وهو يقول:

  دع الثلاثين لا تعرض لصاحبها ... لا بارك اللَّه في تلك الثلاثينا

  لمّا علا صوته في الدار مبتكرا ... كأشتفان⁣(⁣١) يرى قوما يدوسونا⁣(⁣٢)

  أحسن فإنّك قد أعطيت مملكة ... إمارة صرت فيها اليوم مفتونا

  لا يعطك اللَّه خيرا مثلها أبدا ... أقسمت باللَّه إلَّا قلت آمينا

  قال: فلم يضع له شيئا مما على الرجل؛ فقال فيه:

  أيت محمدا شرها ظلوما ... وكنت أراه ذا ورع وقصد

  يقول أماتني ربّي خداعا ... أمات اللَّه حسّان بن سعد

  فما صادفت في قحطان مثلي ... ولا⁣(⁣٣) صادفت مثلك في معدّ

  أقلّ براعة وأشدّ بخلا ... وألأم عند مسئلة وحمد

  نحوت⁣(⁣٤) محمدا ودخان فيه ... كريح الجعر⁣(⁣٥) فوق عطين⁣(⁣٦) جلد

  فأقسم غير مستثن يمينا ... أبا بخر⁣(⁣٧) لتتّخمنّ ردّي

  فلو كنت المهذّب من تميم ... لخفت ملامتي ورجوت حمدي

  نكهت عليّ نكهة أخدريّ ... شتيم أعصل الأنياب ورد⁣(⁣٨)

  / فما يدنو إلى فمه ذباب ... ولو طليت مشافره بقند⁣(⁣٩)

  فإن أهديت لي من فيك حتفا ... فإنّي كالذي أهديت مهدي

  قال محمد بن سهل: وما زال ابن عبدل يزيد في قصيدته هذه الداليّة حتى مات وهي طويلة جدّا. قال: واشتهرت


= وفي ب، س: «الأسديّ وعن ابن بشر عن محمد بن أنس الخ.

(١) كذا في أغلب الأصول. وفي ح: «كاستعار».

(٢) كذا في أغلب الأصول. وفي ح: «يسوقونا».

(٣) كذا في ح. وفي باقي الأصول: «كما».

(٤) كذا في كتاب «الحيوان» للجاحظ طبع مطبعة السعادة ص ١١٩، وفي جميع الأصول: «فقدت».

(٥) الجعر: نجو كل ذات مخلب من السباع.

(٦) العطين: الجلد المنتن من عطن الجلد يعطنه إذا وضعه في الدباغ وتركه حتى فسد وأنتن.

(٧) كذا في أغلب الأصول. وفي ط: «أبا بحر» بالحاء. وهو تحريف.

(٨) المراد من الأخدريّ الأسد، غير أن الوارد في «اللسان» و «تاج العروس» في وصف الأسد خادر ومخدر؛ يقال: خدر الأسد إذا لزم خدره أي عرينه فهو خادر، وأخدر أي اتخذ الأجمة خدرا فهو مخدر، وإنما جاء الأخدريّ لحمار الوحش نسبة إلى فحل يقال له أخدر، وجاء أيضا في وصف الليل كما قال العجاج: «ومخدر الأخدار أخدريّ». والشتيم: الأسد العابس وأعصل الأنياب: معوجها. والورد: الأحمر الضارب إلى الصفرة.

(٩) القند: عسل قصب السكر إذا جمد.