كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عروة بن الورد ونسبه

صفحة 54 - الجزء 3

  ثم أقبل سائرا حتى نزل ببني النّضير، فلما رأوها أعجبتهم فسقوه الخمر، ثم استوهبوها منه فوهبها لهم، وكان لا يمسّ النساء، فلما أصبح وصحا ندم فقال:

  سقوني الخمر ثم تكنّفوني

  الأبيات. قال: وجلاها⁣(⁣١) النبيّ مع من جلا من بني النضير.

  / وذكر أبو عمرو الشّيبانيّ من خبر عروة بن الورد وسلمى هذه أنه أصاب امرأة من بني كنانة بكرا يقال لها سلمى وتكنى أمّ وهب، فأعتقها واتّخذها لنفسه، فمكثت عنده بضع عشرة سنة وولدت له أولادا وهو لا يشكّ في أنها أرغب الناس فيه، وهي تقول له: لو حججت بي فأمرّ على أهلي وأراهم! فحجّ بها، فأتى مكة ثم أتى المدينة، وكان يخالط من أهل يثرب بني النّضير فيقرضونه إن احتاج ويبايعهم⁣(⁣٢) إذا غنم، وكان قومها يخالطون بني النّضير، فأتوهم وهو عندهم؛ فقالت لهم سلمى: إنه خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام، فتعالوا إليه وأخبروه أنكم تستحيون أن نكون امرأة منكم معروفة النسب صحيحته سبيّة، وافتدوني منه فإنه لا يرى أنّي أفارقه ولا أختار عليه أحدا، فأتوه فسقوه الشّراب، فلمّا ثمل قالوا له: فادنا بصاحبتنا فإنها وسيطة⁣(⁣٣) النسب فينا معروفة، وإنّ علينا سبّة أن تكون سبيّة، فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فاخطبها إلينا فإننا ننكحك؛ فقال لهم: ذاك لكم، ولكن لي الشرط فيها أن تخيّروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها وإن اختارتكم انطلقتم / بها؛ قالوا: ذاك لك؛ قال:

  دعوني أله بها الليلة وأفادها⁣(⁣٤) غدا، فلمّا كان الغد جاؤوه فامتنع من فدائها؛ فقالوا له: قد فاديتنا بها منذ البارحة، وشهد عليه بذلك جماعة ممّن حضر، فلم يقدر على الامتناع وفاداها، فلما فادوه بها خيّروها فاختارت أهلها، ثم أقبلت عليه فقالت: يا عروة أما إنّي أقول فيك وإن فارقتك الحقّ: واللَّه ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك وأغضّ طرفا وأقلّ فحشا وأجود يدا وأحمى لحقيقة⁣(⁣٥)؛ وما مرّ عليّ يوم منذ كنت عندك إلا والموت فيه أحبّ إليّ من الحياة بين / قومك، لأنّي لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته؛ وو اللَّه لا أنظر في وجه غطفانيّة أبدا، فارجع راشدا إلى ولدك وأحسن إليهم. فقال عروة في ذلك:

  سقوني الخمر ثم تكنّفوني

  وأوّلها:

  أرقت وصحبتي بمضيق عمق⁣(⁣٦) ... لبرق من تهامة مستطير

  سقى سلمى وأين ديار سلمى ... إذا كانت مجاورة السّرير⁣(⁣٧)


(١) كذا في ح. وجلا متعدّ ولازم كأجلى. وفي سائر النسخ «أجلاها».

(٢) ويبايعهم: يعقد معهم البيع.

(٣) وسيطة النسب: حسيبة في قومها كريمة.

(٤) في جميع النسخ: «وأفاديها» بإثبات الياء.

(٥) في ب، س، ح: «لحقيقته» والحقيقة: ما يجب على الرجل أن يحميه وما لزمه الدفاع عنه من أهل بيته.

(٦) عمق: موضع قرب المدينة من بلاد مزينة.

(٧) كذا في إحدى روايتي ط وهو الموافق لما ذكره ياقوت في «معجمه» من أن السرير موضع في بلاد بني كنانة مستشهدا بهذا البيت.

وفي سائر النسخ: «السدير» وهو تحريف.