أخبار عروة بن الورد ونسبه
  إذا حلَّت بأرض بني عليّ ... وأهلي بين إمّرة(١) وكير
  ذكرت منازلا من أمّ وهب ... محلّ الحيّ أسفل من نقير(٢)
  وأحدث معهد(٣) من أمّ وهب ... معرّسنا بدار بني النّضير
  وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الأصباح آثر ذي أثير(٤)
  بآنسة الحديث رضاب فيها ... بعيد النوم كالعنب العصير
  وأخبرني عليّ بن سليمان الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ بهذه الحكاية كما ذكر أبو عمرو، وقال فيها:
  إنّ قومها أغلوا بها الفداء، وكان معه طلق وجبار أخوه وابن عمه، فقالا له: واللَّه لئن قبلت ما أعطوك لا تفتقر أبدا، وأنت على النساء قادر / متى شئت، وكان قد سكر فأجاب إلى فدائها، فلما صحا ندم فشهدوا(٥) عليه بالفداء فلم يقدر على الامتناع. وجاءت سلمى تثني عليه فقالت: واللَّه إنك ما علمت لضحوك مقبلا كسوب مدبرا خفيف على متن الفرس(٦) ثقيل على العدوّ(٧) طويل العماد كثير الرّماد راضي الأهل والجانب(٨)، فاستوص ببنيك خيرا، ثم فارقته. فتزوّجها رجل من بني عمّها، فقال لها يوما من الأيام: يا سلمى، أثني عليّ كما أثنيت على عروة - وقد كان قولها فيه شهر - فقالت له: لا تكلَّفني ذلك فإني إن قلت الحقّ غضبت ولا واللَّات والعزّى لا أكذب؛ فقال: عزمت عليك لتأتيني في مجلس قومي فلتثنين عليّ بما تعلمين، وخرج فجلس في نديّ القوم، وأقبلت فرماها القوم بأبصارهم، فوقفت عليهم وقالت: أنعموا صباحا، إنّ هذا عزم عليّ أن أثني عليه بما أعلم. ثم أقبلت عليه فقالت:
  واللَّه إنّ شملتك لالتحاف، وإنّ شربك لاشتفاف(٩)، وإنك لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضي الأهل ولا الجانب، ثم انصرفت. فلامه قومه وقالوا: ما كان أغناك عن هذا القول منها.
  كان يجمع الصعاليك ويكرمهم ويغير بهم:
  أخبرني الأخفش عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال حدّثني أبو فقعس قال:
  كان عروة بن الورد إذا أصابت الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدّة ثم يحفر لهم الأسراب ويكنف عليهم الكنف(١٠) ويكسبهم(١١)، ومن / قوي منهم - إما مريض يبرأ من مرضه، أو ضعيف تثوب قوّته - خرج به معه فأغار، وجعل
(١) كذا في ح، وهو الموافق لما في «معجم ياقوت» من أن إمرة منزل في طريق مكة من البصرة وهو منهل. وفي سائر الأصول:
«زامرة» وهو تحريف. وكير: جبلان في أرض غطفان.
(٢) نقير: موضع بين هجر والبصرة. ورواية «ياقوت» «أسفل ذي النقير».
(٣) كذا في ط، ء، ح. وفي سائر النسخ: «معهدا».
(٤) آثر ذي أثير: أول كل شيء، يقال: افعل هذا آثرا ما وآثر ذي أثير أي قدّمه على كل عمل.
(٥) في أ، م «فشهدا» بألف التثنية.
(٦) كذا في ط، ء. وفي سائر النسخ: «الفراش».
(٧) في ب، س، ح: «على ظهر العدوّ».
(٨) الجانب: الغريب والمراد به الضيف.
(٩) الاشتفاف: شرب كل ما في الإناء.
(١٠) يكنف عليهم الكنف: يتخذ لهم حظائر يؤويهم إليها، واحدها «كنيف».
(١١) كذا في ط، ء، يقال كسب لأهله: طلب المعيشة ويتعدّى بنفسه إلى مفعول ثان كما هنا. وفي سائر النسخ: «يكسيهم» بالياء المثناة