أخبار عروة بن الورد ونسبه
  قصته مع هزلي أغار على فرسه:
  نسخت من «كتاب أحمد بن القاسم بن يوسف» قال حدّثني حرّ(١) بن قطن أنّ ثمامة بن الوليد دخل على المنصور؛ فقال: يا ثمامة، أتحفظ حديث ابن عمّك عروة الصّعاليك بن الورد العبسيّ؟ فقال: أيّ حديثه يا أمير المؤمنين؟ فقد كان كثير الحديث حسنه؛ قال: حديثه مع الهذليّ الذي أخذ فرسه؛ قال: ما يحضرني ذلك فأرويه يا أمير المؤمنين؛ فقال المنصور: خرج عروة حتّى دنا من منازل هذيل فكان منها على نحو ميلين وقد جاع فإذا هو بأرنب فرماها ثم أورى نارا فشواها وأكلها ودفن النّار على مقدار ثلاث أذرع وقد ذهب اللَّيل وغارت النّجوم، ثمّ أتى سرحة(٢) فصعدها وتخوّف الطَّلب، فلما تغيّب فيها إذ الخيل قد / جاءت وتخوّفوا البيات(٣). قال:
  فجاءت جماعة منهم ومعهم رجل على فرس فجاء حتى ركز رمحه في موضع النّار وقال: لقد رأيت النّار هاهنا؛ فنزل رجل فحفر قدر ذراع فلم يجد شيئا، فأكبّ القوم على الرّجل(٤) يعذلونه ويعيبون أمره ويقولون: عنّيتنا في مثل هذه اللَّيلة القرّة وزعمت لنا شيئا كذبت فيه؛ فقال: ما كذبت، ولقد رأيت النّار في موضع رمحي؛ فقالوا: ما رأيت شيئا ولكن تحذلقك(٥) وتدهّيك(٦) هو الذي حملك على هذا، / وما نعجب إلَّا لأنفسنا حين أطعنا أمرك واتّبعناك؛ ولم يزالوا بالرجل حتّى رجع عن قوله لهم. واتّبعهم عروة، حتّى إذا وردوا منازلهم جاء عروة فتكمّن(٧) في كسر(٨) بيت؛ وجاء الرّجل إلى امرأته وقد خالفه إليها عبد أسود، وعروة ينظر، فأتاها العبد بعلبة فيها لبن فقال: اشربي؛ فقالت لا، أو تبدأ، فبدأ الأسود فشرب؛ فقالت للرجل حين جاء: لعن اللَّه صلفك(٩)! عنّيت قومك منذ اللَّيلة؛ قال: لقد رأيت نارا، ثمّ دعا بالعلبة ليشرب، فقال حين ذهب ليكرع: ريح رجل وربّ الكعبة! فقالت امرأته: وهذه أخرى، أيّ(١٠) ريح رجل تجده في إنائك غير ريحك! ثم صاحت، فجاء قومها فأخبرتهم خبره، فقالت: يتّهمني ويظنّ بي الظَّنون! فأقبلوا عليه باللَّوم حتّى رجع عن قوله؛ فقال عروة: هذه ثانية. قال ثم أوى الرجل إلى فراشه، فوثب عروة إلى الفرس وهو يريد أن يذهب به، فضرب الفرس بيده وتحرّك(١١)، فرجع عروة إلى موضعه، ووثب الرجل فقال: ما كنت لتكذبيني(١٢) فمالك؟ فأقبلت عليه امرأته لوما وعدلا. قال: فصنع عروة ذلك
(١) في ط، ء: «جزء». وفي أ، م: «جز» بدون همزة. والذي في «شرح القاموس» مادة: قطن «وقطن أبو حرب» وكلاهما محدّث، وورد له ذكر في الطبري قسم ٢ ص ١٩٨٠ طبع أوروبا، فلعل ما هاهنا تحريف عن «حرب».
(٢) السرحة: واحدة السرح وهو شجر كبار عظام طوال لا ترعى وإنّما يستظل به، وقيل: السرح كل شجر طال.
(٣) البيات: الإيقاع بالقوم ليلا من دون أن يعلموا، وهو اسم مصدر لبيت كالكلام من كلم، يقال: بيتنا القوم أي أوقعنا بهم ليلا وهم لا يعلمون.
(٤) فيء، ح، ط: «فركب القوم الرجل يعذلونه» والمعنى علوه بعذلهم.
(٥) التحذلق: إظهار الإنسان الحذق، أو ادعاؤه أكثر مما عنده.
(٦) كذا في أكثر النسخ، والتدهي: أن يفعل الإنسان فعل الدهاة. وفي ب، س، ح: «تداهيك» ولم نجد في «اللسان» ولا في «القاموس» «تفاعل» من هذه المادة.
(٧) كذا في أكثر الأصول. ولم نجد في «اللسان» ولا في «القاموس» «تفعّل» من هذه المادة، وإنما يقال: «كمن» و «اكتمن» أي اختفى.
وفي ط: «فتمكن».
(٨) كسر البيت: جانبه.
(٩) كذا في أكثر النسخ، والصلف: مجاوزة الرجل قدر الظرف وادعاؤه فوق ذلك إعجابا وتكبرا. وفي ب، س، ح: «صلبك» بالباء.
(١٠) كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «وأي ريح» بزيادة الواو.
(١١) كذا في أ، م. وفي سائر النسخ: «ونخر».
(١٢) في ب، س: «لتكذبيني» وهو تحريف، والفرس يقع على الذكر والأنثى والمراد به هنا الذكر كما يدل عليه السياق فيما بعد.