أخبار عروة بن الورد ونسبه
  ثلاثا وصنعه(١) الرجل، ثم أوى الرجل إلى فراشه وضجر من كثرة ما يقوم، فقال: لا أقوم إليك اللَّيلة؛ وأتاه عروة فحال(٢) في متنه وخرج ركضا، وركب الرجل / فرسا عنده أنثى. قال عروة: فجعلت أسمعه خلفي يقول: الحقي فإنك من نسله. فلما انقطع عن البيوت، قال له عروة بن الورد: أيّها الرجل قف، فإنك لو عرفتني لم تقدم عليّ، أنا عروة بن الورد، وقد رأيت اللَّيلة منك عجبا، فأخبرني به وأردّ إليك فرسك؛ قال: وما هو؟ قال: جئت مع قومك حتّى ركزت رمحك في موضع نار قد كنت أوقدتها فثنوك عن ذلك فآنثنيت وقد صدقت، ثم اتّبعتك حتّى أتيت منزلك وبينك وبين النار ميلان فأبصرتها منهما، ثم شممت رائحة رجل في إنائك، وقد رأيت الرجل حين آثرته زوجتك بالإناء، وهو عبدك الأسود وأظن أن بينهما ما لا تحبّ، فقلت: ريح رجل؛ فلم تزل تثنيك عن ذلك حتى انثنيت، ثم خرجت إلى فرسك فأردته فاضطرب وتحرّك فخرجت إليه، ثم خرجت وخرجت، ثم أضربت عنه، فرأيتك في هذه الخصال أكمل الناس ولكنك تنثني وترجع؛ فضحك وقال: ذلك لأخوال السّوء، والذي رأيت من صرامتي فمن قبل أعمامي وهم هذيل، وما رأيت من كعاعتي(٣) فمن قبل أخوالي وهم بطن من خزاعة، والمرأة التي رأيت عندي امرأة منهم وأنا نازل فيهم، فذلك الذي يثنيني عن أشياء كثيرة، وأنا لا حق بقومي وخارج عن أخوالي هؤلاء ومخلّ سبيل المرأة، ولولا ما رأيت من كعاعتي لم يقو على مناوأة قومي أحد من العرب. فقال عروة: خذ فرسك راشدا؛ قال: ما كنت لآخذه منك وعندي من نسله جماعة مثله، فخذه مباركا لك فيه. / قال ثمامة: إنّ له عندنا أحاديث كثيرة ما سمعنا له بحديث هو أظرف من هذا.
  قصة غزوة لماوان وحديثه مع غلام تبين بعد أنه ابنه:
  قال المنصور: أفلا أحدّثك له بحديث هو أظرف من هذا؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، فإن الحديث إذا جاء منك كان له فضل على غيره؛ قال: خرج عروة وأصحابه حتى أتى ماوان / فنزل أصحابه وكنف عليهم كنيفا من الشجر، وهم أصحاب الكنيف الذي سمعته قال فيهم:
  ألا إنّ أصحاب الكنيف وجدتهم ... كما الناس لمّا أمرعوا وتموّلوا
  وفي هذه الغزاة يقول عروة:
  أقول لقوم(٤) في الكنيف تروّحوا ... عشيّة قلنا حول ماوان رزّح(٥)
  وفي هذه القصيدة يقول:
  ليبلغ(٦) عذرا أو يصيب غنيمة ... ومبلغ نفس عذرها مثل(٧) منجح
(١) في ب، س: «لتكذبيني» وهو تحريف، والفرس يقع على الذكر والأنثى والمراد به هنا الذكر كما يدل عليه السياق فيما بعد.
(٢) كذا في أكثر النسخ. وفي ب، س، ح: «ومنعه» بالميم وهو تحريف.
(٣) الكعاعة: الجبن والضعف.
(٣) كذا في أكثر النسخ. وفي «اللسان»: حال في متن فرسه حؤولا إذا وثب وركب. وفي ب، س: «فجال» بالجيم.
(٤) كذا في ح. وفي باقي الأصول: «أقول لأصحاب الكنيف ...» وفي ط، ء، مع ذكرهما هذه الرواية الأخيرة، زيادة تؤيد رواية ح وهي: «الرواية أقول لقوم في الكنيف، ليكون رزح محمولا عليه». وفي «ديوان الحماسة».
وهي: «الرواية أقول لقوم في الكنيف، ليكون رزح محمولا عليه». وفي «ديوان الحماسة».
قلت لقوم في الكنيف تروّحوا ... عشية بتنا عند ماوان رزح
(٥) ورزح جمع رازح، والرازح: الهالك هزالا.
(٦) في الأصل: «لتبلغ، ونصيب» والصواب ما أثبتناه لقوله قبل هذا البيت:
ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه أي مطرح
(٧) في ب، س: «منك منجح» وهو تحريف.