ذكر ذي الإصبع العدواني ونسبه وخبره
  له حكمات(١)
  الدّهر من غير كبرة ... تشين ولا الفاني ولا الضّرع الغمر(٢)
  / فقلن لها: أنت تحبّين رجلا شريفا. وقلن للصّغري: تمنّي؛ فقالت: ما أريد شيئا؛ قلن: واللَّه لا تبرحين حتّى نعلم ما في نفسك؛ قالت: زوج من عود خير من قعود. فلمّا سمع ذلك أبوهنّ زوّجهنّ أربعتهنّ. فمكثن برهة ثم اجتمعن إليه، فقال للكبرى: يا بنيّة، ما مالكم؟ قالت: الإبل؛ قال: فكيف تجدونها؟ قالت: خير مال، نأكل لحومها مزعا(٣)، ونشرب ألبانها جرعا، وتحملنا وضعيفنا معا؛ قال: فكيف تجدين زوجك؟ قالت: خير زوج يكرم الحليلة، ويعطي الوسيلة(٤)؛ قال: مال عميم وزوج كريم. ثم قال للثانية: يا بنيّة ما مالكم؟ قالت: البقر؛ قال: فكيف تجدونها؛ قالت: خير مال، تألف الفناء، وتودّك(٥) السّقاء، وتملأ الإناء، ونساء في نساء؛ قال:
  فكيف تجدين زوجك؟ قالت: خير زوج يكرم أهله وينسى فضله؛ قال: حظيت ورضيت. ثم قال للثالثة: ما مالكم؟ قالت: المعزى؛ قال: فكيف تجدونها؟ قالت: لا بأس بها نولدها فطما(٦)، ونسلخها أدما(٧)؛ قال:
  فكيف تجدين زوجك؟ قالت: لا بأس به ليس بالبخيل الحكر(٨) ولا بالسّمح البذر، قال: جدوى(٩) مغنية. ثم قال للرابعة: يا بنية، ما مالكم؟ قالت: الضّأن؛ قال: وكيف تجدونها؟ قالت: شرّ مال، جوف(١٠) لا يشبعن، وهيم(١١) / لا ينقعن، وصمّ(١٢) لا يسمعن، وأمر مغويتهنّ يتبعن(١٣)؛ قال: فكيف تجدين زوجك؟ قالت: شرّ زوج، يكرم نفسه ويهين عرسه؛ قال: «أشبه امرأ بعض بزّه»(١٤).
  وذكر الحسن بن عليل العنزي في خبر عدوان الذي رواه عن أبي عمرو بن العلاء أنه لا يصحّ من أبيات ذي الإصبع الضّاديّة إلَّا الأبيات التي أنشدها وأنّ سائرها منحول.
(١) كذا في «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ص ٣١٧؛ والحكمات جمع حكمة وأصلها الحديدة في اللجام تمنع الفرس من مخالفة راكبه.
والمراد بها هنا التجارب لأنها تمنع من ارتكاب ما لا يليق. وفي أكثر الأصول: «به محكمات الشيب». وفي بعضها: «له حكمات الحي» وكلاهما تحريف.
(٢) الضرع: الضعيف، والغمر مثلث الغين: من لم يجرب الأمور.
(٣) مزعا جمع مزعة بضم الميم وكسرها وهي القطعة من اللحم.
(٤) الوسيلة: ما يتقرّب به إلى الغير. وفي «الكامل» للمبرد: «ويقرب الوسيلة».
(٥) تودّك السقاء: تجعل فيه الودك وهو الدسم.
(٦) جمع فطيم وهو ما يفصل عن الرضاع.
(٧) الأدم: اسم لجمع الأديم وهو الجلد أو الأحمر منه أو مدبوغه.
(٨) الحكر: المستبد بالشيء.
(٩) كذا في جميع النسخ والجدوى: الغناء والنفع. وفي «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ص ٣١٨ روى: «جذو مغنية» وقال في تفسيره:
الجذو جمع جذوة وأصل ذلك في الخشب ما كان منه فيه نار.
(١٠) جوف: عظام الأجواف.
(١١) الهيم: العطاش واحده أهيم أو هيماء، ولا ينقعن: لا يروين.
(١٢) هذا وارد على وجه التمثيل، وشبهت الضأن بما لا يسمع لبلادتها. والعرب يقولون: أبلد ما يرعى الضأن.
(١٣) قال عليّ بن عبد اللَّه: قلت لأبي عائشة: ما قولها: «وأمر مغويتهن يتبعن» فقال: أما تراهن يمرون فتسقط الواحدة منهن في ماء أو وحل وما أشبه ذلك فيتبعنها إليه. انظر «الكامل» للمبرد طبع أوروبا ص ٣١٨.
(١٤) كذا في الأصول وهي إحدى روايتين، وثانيتهما «أشبه امرؤ بعض بزه» انظر «الكامل» للمبرد ص ٣١٨؛ وفيه: أنه أرسله مثلا ولم نجده في «مجمع الأمثال» للميداني ولا في «لسان العرب».