أخبار بشار بن برد ونسبه
  وأبسطهم راحة في النّدى ... وأرفعهم ذروة في العلا
  عجوزا قد آوردها عمرها ... وأسكنها الدهر دار البلى
  سلوحا(١) توهّمت أن الرّعاء ... سقوها ليسهلها الحنظلا
  وأضرط من أمّ مبتاعها ... إن اقتحمت بكرة حرملا(٢)
  فلو تأكل الزّبد بالنّرسيان(٣) ... وتدّمج(٤) المسك والمندلا
  لما طيّب اللَّه أرواحها ... ولا بلّ من عظمها الأقحلا(٥)
  وضعت يميني على ظهرها ... فخلت حراقفها(٦) جندلا
  / وأهوت شمالي لعرقوبها ... فخلت عراقبها مغزلا
  وقلَّبت أليتها بعد ذا ... فشبّهت عصعصها(٧) منجلا
  فقلت أبيع فلا مشربا(٨) ... أرجّي لديها ولا مأكلا
  أم آشوي وأطبخ من لحمها ... وأطيب من ذاك مضغ السّلى(٩)
  إذا ما أمرّت على مجلس ... من العجب(١٠) سبّح أو هلَّلا
  / رأوا آية خلفها سائق ... يحثّ وإن هرولت هرولا
  وكنت أمرت بها ضخمة ... بلحم وشحم قد استكملا
  ولكنّ روحا عدا طوره ... وما كنت أحسب أن يفعلا
  فعضّ الذي خان في أمرها ... من است أمّه بظرها الأغرلا(١١)
  ولولا مكانك قلَّدته ... علاطا(١٢) وأنشقته الخردلا
  ولولا استحائيك خضّبتها ... وعلقت في جيدها جلجلا
(١) سلوح: وصف من السّلح وهو للطير والبهائم كالتغوّط من الإنسان، وقد يستعمل للإنسان على وجه التشبيه.
(٢) الحرمل: نبات كالسمسم يعيي آكله.
(٣) النّرسيان: نوع من أجود التمر، وفي المثل: «أطيب من الزّبد بالنّرسيان» يضرب مثلا للأمر يستطاب ويستعذب. والمندل: العود الرّطب.
(٤) كذا في جميع الأصول، وأدّمج في الشيء مثل اندمج: دخل فيه واستحكم. ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا ادّمج متعدّيا بنفسه، فلعلّ ما هنا من قبيل ما جرى فيه النصب على نزع الخافض.
(٥) كذا في أكثر الأصول. والأقحل: وصف من قحل الشيء إذا يبس، وفي ب، س: «الأنحل».
(٦) الحراقف: جمع حرقفة، والحرقفة: رأس الورك.
(٧) العصعص: عجب الذئب.
(٨) كذا في أ، م، ء، وفي باقي الأصول: «فلا مشتر».
(٩) السلى: الجلدة التي يكون فيها الولد في بطن أمه.
(١٠) في أ، م، ء: «من العجف».
(١١) الأغرل: ذو الغرلة أي لم يختن.
(١٢) العلاط (بالكسر): حبل يجعل في عنق البعير وسمة تكون في عرض عنقه.