أخبار بشار بن برد ونسبه
  حتّى أتى على قوله:
  في حلَّتي جسم فتى ناحل ... لو هبّت الرّيح به طاحا(١)
  فقالوا: يا بن الزانية، أتقول هذا وأنت كأنّك فيل عرضك أكثر(٢) من طولك! فقال: قوموا عنّي يا بني الزّناء؛ فإنّي مشغول القلب، لست أنشط اليوم لمشاتمتكم.
  عشق امرأة وألح عليها فشكته إلى زوجها:
  أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى عن أبيه عن عافية بن شبيب قال:
  كان لبشّار مجلس يجلس فيه بالعشيّ يقال له البردان، فدخل إليه نسوة في مجلسه هذا فسمعن شعره، فعشق امرأة منهنّ، وقال لغلامه: عرّفها محبّتي لها، واتبعها إذا انصرفت إلى منزلها؛ ففعل الغلام وأخبرها بما أمره فلم تجبه إلى ما أحبّ، فتبعها إلى منزلها حتّى عرفه، فكان يتردّد إليها حتّى برمت(٣) به، فشكته إلى زوجها، فقال لها:
  أجيبيه وعديه إلى أن يجيئك إلى هاهنا ففعلت، وجاء بشّار مع امرأة وجّهت بها إليه، فدخل وزوجها جالس وهو لا يعلم، فجعل يحدّثها ساعة، وقال لها: ما اسمك بأبي أنت؟ فقالت: أمامة؛ فقال:
  أمامة قد وصفت لنا بحسن ... وإنّا لا نراك فألمسينا
  / قال: فأخذت يده فوضعتها على أير زوجها وقد أنعظ، ففزع ووثب قائما وقال:
  عليّ أليّة ما دمت حيّا ... أمسّك طائعا إلا بعود
  ولا أهدي لقوم أنت فيهم ... سلام اللَّه إلَّا من بعيد
  طلبت غنيمة فوضعت كفّي ... على أير أشدّ من الحديد
  فخير منك من لا خير فيه ... وخير من زيارتكم قعودي
  وقبض زوجها عليه وقال: هممت بأن أفضحك؛ فقال له: كفاني، فديتك، ما فعلت بي، ولست واللَّه عائدا إليها أبدا، فحسبك ما مضى، وتركه وانصرف(٤). وقد روي مثل هذه الحكاية عن الأصمعيّ في قصّة بشّار هذه.
  وهذا الخبر بعينه يحكى بإسناد أقوى من هذا الإسناد وأوضح عن أبي العبّاس الأعمى السائب بن فرّوخ، وقد ذكرته في أخبار أبي العباس بإسناده.
  رثاؤه أصدقاءه:
  نسخت من كتاب هارون بن عليّ: قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني حمدان الآبنوسيّ قال حدّثنا أبو نواس قال:
  كان لبشّار خمسة ندماء فمات منهم أربعة وبقي واحد يقال له البراء، فركب في زورق يريد عبور دجلة
(١) طاح: ذهب وهلك.
(٢) كذا في ح، وفي باقي الأصول: «أثقل».
(٣) برمت به: سئمته وضاقت به.
(٤) كذا في ح، وفي باقي الأصول: «وتركه فانصرف».