كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بشار بن برد ونسبه

صفحة 164 - الجزء 3

  العوراء⁣(⁣١) فغرق، وكان المهديّ قد نهى بشّارا عن ذكر النساء والعشق، فكان بشار يقول: ما خير في الدنيا بعد الأصدقاء؛ ثم رثى أصدقاءه بقوله:

  /

  يا بن موسى ماذا يقول الإمام ... في فتاة بالقلب منها أوام

  بتّ من حبّها أوقّر بالكأ ... س ويهفو على فؤادي الهيام⁣(⁣٢)

  / ويحها كاعبا تدلّ بجهم ... كعثبيّ⁣(⁣٣) كأنّه حمّام

  لم يكن بينها وبيني إلَّا ... كتب العاشقين والأحلام

  يا بن موسى اسقني ودع عنك سلمى ... إنّ سلمى حمى وفيّ احتشام

  ربّ كأس كالسّلسبيل تعلَّل ... ت بها والعيون عنّي نيام

  حبست للشّراة في بيت رأس⁣(⁣٤) ... عتّقت عانسا عليها الختام

  نفحت نفحة فهزّت نديمي ... بنسيم وانشقّ عنها الزّكام

  وكأنّ المعلول منها إذا را ... ح شج في لسانه برسام⁣(⁣٥)

  صدمته الشّمول حتّى بعيني ... هـ انكسار وفي المفاصل خام⁣(⁣٦)

  وهو باقي الأطراف حيّت⁣(⁣٧) به الكأ ... س وماتت أوصاله والكلام

  وفتى يشرب المدامة بالما ... ل ويمشي⁣(⁣٨) يروم ما لا يرام

  أنفدت كأسه الدنانير حتّى ... ذهب العين واستمرّ السّوام⁣(⁣٩)

  تركته الصّهباء يرنو بعين ... نام إنسانها وليست تنام

  / جنّ من شربة تعلّ بأخرى ... وبكى حين سار فيه المدام

  كان لي صاحبا فأودى به الدّه ... ر وفارقته #

  بقي النّاس بعد هلك نداما ... ي وقوعا لم يشعروا ما الكلام⁣(⁣١٠)


(١) دجلة العوراء: دجلة البصرة.

(٢) الهيام: الجنون من العشق.

(٣) الكعثب: الركب (الفرج) الضخم الناتئ، والجهم: الغليظ.

(٤) بيت رأس: اسم لقريتين، في كل واحدة منهما كروم كثيرة تنسب إليهما الخمر، إحداهما ببيت المقدس، والأخرى من نواحي حلب.

(٥) البرسام: علة يهذى فيها، وهو ورم حاد يعرض للحجاب الحاجز ثم يتصل بالدماغ، فارسيّ معرب مركب من «بر» وهو الصدر و «سام» وهو الموت، ويقال لهذه العلة الموم، ولعله يريد بالبرسام هنا أثره وهو الهذيان.

(٦) كذا وردت هذه الكلمة في جميع الأصول ولها معان في كتب اللغة لا تتفق والسياق إلا أن يكون قد أراد الكناية عن ارتخاء المفاصل فجعل ما بها من العظام لتثنّيها وتكَّسرها كأنها خام أي طاقات زرع غضة رطبة.

(٧) حيث بالإدغام لغة في حيي كرضى.

(٨) كذا في أكثر الأصول. وفي ح: «ويمسي».

(٩) العين: الذهب. واستمر: ذهب. والسوام: الإبل الراعية، والمراد بها هنا المال الراعي كالسائمة.

(١٠) في ح، ء وإحدى روايتي أ، م: «ما الكرام».