كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بشار بن برد ونسبه

صفحة 166 - الجزء 3

  فوصله بعشرة آلاف درهم، فكانت أوّل عطيّة سنيّة أعطيها بشّار ورفعت من ذكره، وهذه القصيدة هي التي يقول فيها:

  صوت

  إذا كنت في كلّ الأمور معاتبا ... صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

  فعش واحدا أوصل أخاك فإنه ... مقارف⁣(⁣١) ذنب مرّة ومجانبه

  إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ... ظمئت وأيّ النّاس تصفو مشاربه

  الغناء في هذه الأبيات لأبي العبيس بن حمدون خفيف ثقيل بالبنصر في مجراها.

  شعره في العشق:

  أخبرني يحيى بن عليّ بن يحيى قال ذكر أبو أيّوب المدينيّ عن الأصمعيّ قال:

  كان لبشّار مجلس يجلس فيه يقال له البردان، وكان النساء يحضرنه فيه، فبينما هو ذات يوم في مجلسه إذ سمع كلام امرأة في المجلس فعشقها، فدعا غلامه فقال: / إذا تكلَّمت المرأة عرّفتك فاعرفها، فإذا انصرفت من المجلس فاتبعها وكلَّمها وأعلمها أنّى لها محبّ؛ وقال فيها:

  يا قوم أذني لبعض الحيّ عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا

  قالوا: بمن لا ترى تهذي! فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي⁣(⁣٢) القلب ما كانا

  هل من دواء لمشغوف بجارية ... يلقى بلقيانها روحا⁣(⁣٣) وريحانا

  وقال في مثل ذلك:

  قالت عقيل بن كعب إذ تعلَّقها ... قلبي فأضحى به من حبّها أثر

  أنّى ولم ترها تهذي! فقلت لهم ... إنّ الفؤاد يرى ما لا يرى البصر

  أصبحت كالحائم الحيران مجتنبا ... لم يقض وردا ولا يرجى له صدر

  قال يحيى بن عليّ وأنشدني أصحاب أحمد بن إبراهيم عنه لبشّار في هذا المعنى وكان يستحسنه:

  يزهّدني في حبّ عبدة معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي

  فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى ... فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحبّ

  فما تبصر العينان في موضع الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلَّا من القلب

  وما الحسن إلَّا كلّ حسن دعا الصّبا ... وألَّف بين العشق والعاشق الصّبّ

  قال أبو أحمد: وقال في مثل ذلك:


(١) مقارف: مخالط.

(٢) توفي: تبلغ.

(٣) الرّوح (بالفتح): نسيم الريح والراحة والسرور.