كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بشار بن برد ونسبه

صفحة 168 - الجزء 3

  خليليّ إنّ العسر سوف يفيق ... وإنّ يسارا في غد لخليق

  وما كنت إلا كالزّمان إذا صحا ... صحوت وإن ماق⁣(⁣١) الزّمان أموق

  أأدماء⁣(⁣٢) لا أستطيع في قلَّة الثّرى ... خزوزا⁣(⁣٣) ووشيا والقليل محيق⁣(⁣٤)

  خذي من يدي ما قلّ إنّ زماننا ... شموس⁣(⁣٥) ومعروف الرجال رقيق⁣(⁣٦)

  لقد كنت لا أرضى بأدنى معيشة ... ولا يشتكي بخلا عليّ رفيق

  خليليّ إنّ المال ليس بنافع ... إذا لم ينل منه أخ وصديق

  وكنت إذا ضاقت عليّ محلَّة ... تيمّمت أخرى ما عليّ تضيق

  وما خاب بين اللَّه والناس عامل ... له في التّقى أو في المحامد سوق

  ولا ضاق فضل اللَّه عن متعفّف ... ولكنّ أخلاق الرجال تضيق

  أنشد المهديّ شعرا في النسيب فتهدده إن عاد إلى مثله:

  أخبرني حبيب بن نصر قال حدّثني عمر بن شبّة قال:

  بلغ المهديّ قول بشّار:

  /

  قاس الهموم تنل بها نجحا ... والليل إنّ وراءه صبحا

  / لا يؤيسنّك من مخبّأة ... قول تغلَّظه وإن جرحا

  عسر النّساء إلي مياسرة ... والصّعب يمكن بعد ما جمحا

  فلمّا قدم عليه استنشده هذا الشعر فأنشده إياه، وكان المهديّ غيورا، فغضب وقال: تلك أمّك يا عاضّ كذا من أمّه⁣(⁣٧)! أتحضّ الناس على الفجور وتقذف المحصنات المخبّآت! واللَّه لئن قلت بعد هذا بيتا واحدا في نسيب لآتينّ على روحك؛ فقال بشار في ذلك:

  واللَّه لولا رضا الخليفة ما ... أعطيت ضيما عليّ في شجن

  وربّما خير لابن آدم في ال ... كره وشقّ الهوى على البدن

  فاشرب على ابنة الزّمان فما ... تلقى زمانا صفا من الأبن⁣(⁣٨)


(١) ماق: حمق.

(٢) الأدماء: - لغة - الظبية التي أشرب لونها بياضا، ومن معانيها أيضا السمراء مؤنث آدم، وهي هنا علم، كلمياء وعفراء.

(٣) الخزوز: جمع خز وهو نوعان: أحدهما ثياب تنسج من صوف وحرير، وثانيهما ثياب تنسج من الحرير وحده، والوشى: نوع من الثياب الموشية أي المنقوشة التي خلط فيه لون بلون.

(٤) محيق: لا خير فيه وهو فعيل من «محقه اللَّه» أي أذهب خيره وبركته.

(٥) شموس: متنكر، ومنه فرس شموس: لا يمكن أحدا من ظهره، ورجل شموس: عسر في عداوته شديد الخلاف على من عانده.

(٦) كذا في ح، وفي باقي الأصول «رفيق» بالفاء وهو تحريف.

(٧) يريد «يا عاض بظر أمه» والبظر: هنة تقطعها الخافضة من فرج المرأة عند الختان، وفي حديث الحديبية «امصص ببظر اللات».

(٨) الأبن: جمع ابنة وهي العداوة والحقد، والمراد هنا الكدر.