كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بشار بن برد ونسبه

صفحة 170 - الجزء 3

  وإن قصدت زلَّت على متنصّب ... ذليل القوى لا شيء يفري كما تفري

  تلاعب تيّار البحور وربّما ... رأيت نفوس القوم من جريها تجري

  قال: وكان قال: «نينان البحور» فعابه بذلك سيبويه⁣(⁣١) فجعله «تيّار البحور».

  /

  إلى ملك من هاشم في نبوّة ... ومن حمير في الملك في العدد الدّثر⁣(⁣٢)

  من المشترين الحمد تندى من النّدى ... يداه ويندي عارضاه من العطر

  / فألزمت حبلي حبل من لا تغبّه ... عفاة الندى من حيث يدري ولا يدري

  بنى لك عبد اللَّه بيت خلافة ... نزلت بها بين الفراقد والنّسر

  وعندك عهد من وصاة⁣(⁣٣) محمّد ... فرعت⁣(⁣٤) به الأملاك من ولد النّضر

  هجا المهدي بعد أن مدحه فلما بلغه ذلك أمر بقتله:

  فلم يحظ منه أيضا بشيء، فهجاه فقال في قصيدته:

  خليفة يزني بعمّاته ... يلعب بالدّبّوق⁣(⁣٥) والصّولجان

  أبدلنا اللَّه به غيره ... ودسّ موسى في حر الخيزران⁣(⁣٦)

  وأنشدها في حلقة يونس النّحويّ، فسعي به إلى يعقوب بن داود، وكان بشّار قد هجاه فقال:

  بني أميّة هبّوا طال نومكم ... إنّ الخليفة يعقوب بن داود

  ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة اللَّه بين الزّقّ والعود

  فدخل يعقوب على المهديّ فقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك؛ فقال: بأيّ شيء؟ فقال: بما لا ينطق به لساني ولا يتوهّمه فكري؛ قال له: بحياتي إلَّا أنشدتني! فقال: واللَّه لو خيّرتني بين إنشادي إياه وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي؛ فحلف عليه المهديّ بالأيمان التي لا فسحة فيها أن يخبره؛ فقال: أمّا لفظا فلا، ولكنّي أكتب ذلك، فكتبه ودفعه إليه؛ فكاد / ينشقّ غيظا، وعمد على الانحدار إلى البصرة للنّظر في أمرها، وما وكده⁣(⁣٧) غير بشّار، فانحدر، فلما بلغ إلى البطيحة⁣(⁣٨) سمع أذانا في وقت ضحى النّهار،


(١) جمع نون على نينان أثبته صاحب «القاموس» وصاحب «اللسان» واستشهد له بحديث عليّ ¥: «يعلم اختلاف النينان في البحار الغامرات»، وحكى السيد المرتضى في «شرح القاموس» تخطئة سيبويه لبشار، ثم قال: واستعمله المتنبي وغلطوه أيضا.

(٢) الدثر: الكثير من كل شيء.

(٣) الوصاة: الوصية.

(٤) فرعت: علوت بالشرف، يقال: فرع فلان القوم أي علاهم بالشرف أو الجمال.

(٥) الدبوق: لعبة يلعب بها الصبيان ذكرها صاحب «القاموس» وصاحب «اللسان» في مادة «دبق» وقالا: هي لعبة معروفة، ولم يبيناها.

قال صاحب السعادة أحمد تيمور باشا فيما كتبه في المجلة السلفية المجلد الثاني ص ٩٤ عن لعب العرب في الكلام على هذه اللعبة بعد أن استشهد بهذا الشعر: «ولا ندري هل الصولجان من لوازمه ليكون شيئا كالكرة ونحوها أم هما لعبتان قرن بينهما في شعره».

(٦) الخيزران: جارية من جواري المهديّ وهي أم ولديه موسى وهارون.

(٧) كذا في ح. ووكده: قصده، وفي باقي الأصول «وكزه» بالزاي المعجمة.

(٨) البطيحة: أرض واسعة بين واسط والبصرة.