كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار بشار بن برد ونسبه

صفحة 173 - الجزء 3

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار وحبيب بن نصر المهلَّبي قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:

  أمر المهديّ عبد الجبار صاحب الزنادقة فضرب بشّارا، فما بقي بالبصرة شريف إلا بعث إليه بالفرش والكسوة والهدايا ومات بالبطيحة. قال: وكانت وفاته وقد ناهز ستّين سنة.

  قال عمر بن شبّة حدّثني سالم بن عليّ، قال: كنّا عند يونس فنعى بشّارا إلينا ناع، فأنكر يونس ذلك وقال: لم يمت؛ فقال الرجل: أنا رأيت قبره، فقال: أنت رأيته؟ قال: نعم، وإلا فعليّ وعليّ، وحلف له حتّى رضي، فقال يونس: «لليدين وللفم»⁣(⁣١).

  قال أبو زيد وحدّثني جماعة من أهل البصرة منهم محمّد بن عون بن بشير⁣(⁣٢)، وكان يتّهم بمذهب بشّار، فقال:

  / لمّا مات بشّار ألقيت جثّته بالبطيحة في موضع يعرف بالحرّارة، فحمله الماء فأخرجه إلى دجلة البصرة فأخذ فأتي به أهله فدفنوه، قال وكان كثيرا ما ينشدني:

  سترى حول سريري ... حسّرا⁣(⁣٣) يلطمن لطما

  يا قتيلا قتلته ... عبدة الحوراء ظلما

  قال: وأخرجت جنازته فما تبعها أحد إلَّا أمة له سوداء سنديّة عجماء ما تفصح، رأيتها خلف جنازته تصيح:

  وا سيّداه! وا سيّداه!.

  شماتة الناس بموته وما قيل في ذلك من الشعر:

  قال أبو زيد وحدّثني سالم بن عليّ⁣(⁣٤) قال:

  لمّا مات بشّار ونعي إلى أهل البصرة تباشر عامّتهم وهنّأ بعضهم بعضا وحمدوا اللَّه وتصدّقوا، لما كانوا منوا⁣(⁣٥) به من لسانه.

  وقال أبو هشام الباهليّ فيما أخبرنا به يحيى بن عليّ في قتل بشّار:

  يا بؤس ميت لم يبكه أحد ... أجل ولم يفتقده مفتقد

  لا أمّ أولاده بكته ولم ... يبك عليه لفرقة ولد

  ولا ابن أخت بكى ولا ابن أخ ... ولا حميم رقّت له كبد

  بل زعموا أنّ أهله فرحا ... لمّا أتاهم نعيّه سجدوا


(١) استعمل يونس هاتين الكلمتين في الشماتة بهلاك بشار، وهما في الأصل مثل يقال عند الشماتة بسقوط إنسان، والمراد أسقطه اللَّه على يديه ورجليه، وفي الحديث أن عمر ¥ أتى بسكران في رمضان فتعثر بذيله فقال عمر: لليدين وللفم، أو لداننا صيام وأنت مفطر! ثم أمر به فحدّ (انظر «مجمع الأمثال» للميداني ج ٢ ص ١٣٤ طبع بولاق).

(٢) في ح: «بشر».

(٣) حسر: جمع حاسر وهي المكشوفة الوجه أو الذراعين.

(٤) كذا في أكثر الأصول، وفي ح: «سالم بن عبد اللَّه».

(٥) منوا: ابتلوا.