كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عكاشة العمي ونسبه

صفحة 181 - الجزء 3

  /

  سقيا لمجلسنا الذي كنّا به ... يوم الخميس جماعة أترابا

  في غرفة مطرت سماوة⁣(⁣١) سقفها ... بحيا النعيم من الكروم شرابا

  إذ نحن نسقاها شمولا قرقفا ... تدع الصحيح بعقله مرتابا

  حمراء مثل دم الغزال وتارة ... بعد المزاج تخالها زريابا

  من كفّ جارية كأنّ بنانها ... من فضّة قد قمّعت عنّابا

  تزداد حسنا كأسها من كفّها ... ويطيب منها نشرها أحقابا

  وإذا المزاج علا فشجّ جبينها ... نفثت⁣(⁣٢) بألسنة المزاج حبابا

  وتخال ما جمعت فأحدق سمطه ... بالطَّوق ريق حبائب ورضابا

  كفت المناصف⁣(⁣٣) أن تذبّ أكفّها ... عنها إذا جعلت تفوح ذبابا

  والعود متّبع غناء خريدة ... غردا يقول كما تقول صوابا

  وكأنّ يمناها إذا نطقت به ... تلقي على يدها الشّمال حسابا

  فهناك خفّ⁣(⁣٤) بنا النعيم وصار من ... دون الثقيل لنا عليه حجابا

  / اليت لا ألحي على طلب الهوى ... متلذّذا حتى أكون ترابا

  اشترى نعيم بغداديّ وسافر بها فأسف وقال شعرا:

  قال: ثم قدم قادم من أهل بغداد فاشترى نعيم هذه من مولاتها ورحل إلى بغداد، فعظم أسف عكَّاشة وحزنه عليها واستهيم بها طول عمره، فاستحالت صورته وطبعه وخلقه إلى أن فرّق الدهر بيننا، فكان أكثر وكده⁣(⁣٥) وشغله أن يقول فيها الشعر وينوح به عليها ويبكي؛ قال حميد بن سعيد فأنشدني أبي له في ذلك:

  /

  ألا ليت شعري هل يعودنّ ما مضى ... وهل راجع ما مات من صلة الحبل

  وهل أجلسن في مثل مجلسنا الذي ... نعمنا به يوم السعادة بالوصل

  عشيّة صبّت لذّة الوصل ظيبها ... علينا وأفنان الجنان جنى البذل

  وقد دار ساقينا بكأس رويّة ... ترحّل أحزان الكئيب مع العقل

  وشجّ شمولا بالمزاج فطيّرت ... كألسنة الحيّات خافت من القتل

  فبتنا وعين الكأس سحّ دموعها ... لكلّ فتى يهتزّ للمجد كالنّصل


(١) السماوة: السماء وهي كل ما علاك فأظلك.

(٢) في أكثر النسخ: «نفشت» وفي بعضها: «نقشت» وظاهر أن كليهما محرف عما أثبتناه.

(٣) المناصف: جمع منصف (بكسر الميم وقد تفتح، والأنثى منصفة) وهو الخادم.

(٤) في ح: «حف» بالحاء المهملة.

(٥) الوكد: الهم والقصد.