أخبار ابن مسجح ونسبه
  فخاف أن يكون أهل الشأم قد وصلوا إليه، وكانت ليلة ظلماء ذات ريح شديدة صعبة ورعد وبرق، فرفع نارا على رأس رمح لينظر إلى الناس فأطارتها الريح فوقعت على أستار الكعبة فأحرقتها واستطالت فيها، وجهد الناس في إطفائها فلم يقدروا، وأصبحت الكعبة تتهافت(١) وماتت امرأة من قريش، فخرج الناس كلَّهم في جنازتها خوفا من أن ينزل العذاب عليهم، وأصبح ابن الزّبير ساجدا يدعو ويقول: اللهم إني لم أتعمّد ما جرى فلا تهلك عبادك بذنبي وهذه ناصيتي بين يديك؛ فلمّا تعالى النهار أمن وتراجع / الناس، فقال لهم: اللَّه اللَّه أن ينهدم في بيت أحدكم حجر فيزول عن موضعه فيبنيه ويصلحه وأترك الكعبة خرابا؛ ثم هدمها مبتدئا بيده وتبعه الفعلة حتى بلغوا إلى قواعدها، ودعا ببنّائين من الفرس والروم فبناها.
  نقل غناء الفرس من بنّائي الكعبة الذين استقدمهم ابن الزبير:
  قال إسحاق: وأخبرني ابن الكلبيّ عن أبي مسكين قال:
  كان سعيد بن مسجح أسود مولَّدا يكنى أبا عيسى مولى لبني جمح، فرأى الفرس وهم يعملون الكعبة لابن الزّبير ويتغنّون بالفارسيّة فاشتقّ غناءه على ذلك.
  / قال إسحاق: وحدّثني محمد بن سلَّام عن شعيب بن صخر وجرير قالا:
  كان سعيد بن مسجح أسود وهو مولى بني جمح يكنى أبا عيسى.
  كان ولاؤه هو وابن سريج لرجل واحد:
  قال إسحاق: وحدّثني المدائني عن صخر بن جعفر عن أبي قبيل بمثل ذلك، وذكر أنه كان يكنى أبا عثمان.
  قال: وهو مولى لبني نوفل بن الحارث كان هو وابن سريج لرجل واحد، ولذلك قبل عنه ابن سريج.
  ابن مسجح في حداثته:
  قال إسحاق: وحدّثني الهيثم بن عديّ عن صالح بن حسّان فذكر مثل ما ذكر أبو قبيل من كنيته وولائه، وقال:
  كان ابن مسجح فطنا كيّسا ذكيّا، وكان أصفر حسن اللون، وكان مولاه معجبا به، وكان يقول في صغره: ليكوننّ لهذا الغلام شأن، وما منعني من عتقه إلا حسن فراستي فيه، ولئن عشت لأتعرّفنّ ذلك، وإن متّ فهو حرّ، فسمعه مولاه يوما وهو يتغنّى بشعر ابن الرّقاع العامليّ، وهو من الثقيل الأوّل بالسبّابة في مجرى الوسطى:
  صوت
  ألمم على طلل عفا متقادم ... بين اللَّكيك(٢) وبين غيب الناعم(٣)
(١) أي لتساقط حجرا حجرا.
(٢) اللكيك كأمير ويقال له اللكاك، رواه ابن جبلة «اللكاك» كغراب، وضبطه الصاغانيّ بالكسر ككتاب وقال: هو موضع في ديار بني عامر، وقال غيره: بحزن بني يربوع؛ انظر «شرح القاموس»، وقد ضبطه ياقوت في «معجم البلدان» بالكسر ككتاب ولم يذكر اللكيك.
(٣) غيب الناعم: موضع قال عنه ياقوت: إنه ورد في قول عديّ بن الرقاع وذكر البيت هكذا:
ألمم على طلل عفا متقادم ... بين الذؤيب وبين غيب الناعم