كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مسجح ونسبه

صفحة 194 - الجزء 3

  لولا الحياء وأنّ رأسي قد عثا⁣(⁣١) ... فيه المشيب لزرت أمّ القاسم

  / فدعا به مولاه فقال له: يا بنيّ أعد ما سمعته منك عليّ، فأعاده فإذا هو أحسن مما ابتدأ به، فقال: إن هذا لمن بعض ما كنت أقول، ثم قال: أنّى لك هذا؟ قال: سمعت هذه الأعاجم تتغنّى بالفارسيّة فثقفتها⁣(⁣٢) وقلبتها في هذا الشعر، قال له: فأنت حرّ لوجه اللَّه، فلزم مولاه وكثر أدبه واتسع في غنائه ومهر بمكَّة وأعجبوا به لظرفه وحسن ما سمعوه منه، فدفع إليه مولاه عبيد بن سريج، وقال له: يا بنيّ علَّمه واجتهد فيه؛ وكان ابن سريج أحسن الناس صوتا، فتعلَّم منه ثم برّز عليه حتى لم يعرف له نظير.

  غناء نافع الخير عند رجل من قريش:

  أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثنا أخي هارون عن ابن الماجشون عن شيخ من أهل المدينة، وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان والحسين بن يحيى قالا أخبرنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال ذكر ابن الكلبيّ عن أبي مسكين عن شيخ من أهل المدينة قال:

  دخلت على رجل من قريش بالمدينة وعنده رجل ساكن الطَّرف نبيل تأخذه العين، لا أعرفه؛ فقال له القرشيّ:

  أقسمت عليك إلَّا ما غنّيت صوتا، فحوّل خاتمه من خنصره اليسرى إلى بنصره اليمنى، ثم تناول قدحا، فغنّاه لحن ابن سريج في شعر كعب بن جعيل:

  إذا امتشطت⁣(⁣٣) عالوا لها بوسادة ... ومدّت عسيب المتن أن يتعفّرا

  ثوت نصف شهر تحسب الشهر ليلة ... تناغي⁣(⁣٤) غزالا ساجي⁣(⁣٥) الطرف أحورا

  / تزيّن حتى تسلب المرء عقله ... وحتى يحار الطرف فيها ويسكرا⁣(⁣٦)

  / ثم غنّى في شعر توبة بن الحميّر:

  وغيّرني إن كنت لمّا تغيّري ... هواجر تكتنّينها وأسيرها

  وأدماء⁣(⁣٧) من سرّ المهارى⁣(⁣٨) كأنها ... مهاة⁣(⁣٩) صوار⁣(⁣١٠) غير ما مسّ كورها


(١) كذا في «لسان العرب» في مادة «عثا» وعثا: أفسد، يقال: عثا فيه المشيب أي أفسد، وفي جميع الأصول «عسا» بالسين المهملة، ولم يظهر له معنى إلا أن يكون بمعنى اشتدّ، من قولهم: عسا النبات عسوّا أي غلظ واشتدّ.

(٢) ثقف الشيء: فهمه وأخذه.

(٣) كذا في ح، وفي باقي النسخ: «إذا انتشطت» وهو تحريف.

(٤) المناغاة: المغازلة.

(٥) ساجي الطرف: فاتره ساكنه، والأحور: الأبيض الناعم.

(٦) يقال: سكرت عينه تسكر (من باب نصر) إذا تحيرت وسكنت عن النظر. وفي الأصول: «ويشكرا» بالشين وهو تحريف.

(٧) الأدماء: من الإبل التي أشرب لونها بياضا مع سواد المقلتين.

(٨) السرّ: المحض، يقال: «هو في سر النسب» أي محضه وأفضله؛ والمهاري: جمع مهرية وهي إبل منسوبة إلى مهرة ابن حيدان، وقيل: هي منسوبة إلى بلد، وقال الأزهري: هي نجائب تسبق الخيل.

(٩) المهاة: البقرة الوحشية.

(١٠) الصوار: قطيع البقر.