كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ابن مسجح ونسبه

صفحة 195 - الجزء 3

  قطعت بها أجواز⁣(⁣١) كلّ تنوفة ... مخوف رداها كلَّما استنّ⁣(⁣٢) مورها

  ترى ضعفاء القوم فيها كأنهم ... دعاميص⁣(⁣٣) ماء نشّ⁣(⁣٤) عنها غديرها

  قال: فقلت له إني لأروي هذا الشعر وما أعرف هذه الأبيات فيه، فقال: هكذا رويتها عن عبد اللَّه بن جعفر، قال: وإذا هو نافع الخير مولى عبد اللَّه بن جعفر.

  الغناء في هذين اللحنين لابن مسجح ولم أجد لهما طريقة في شيء من الكتب التي مرّت. وذكر حبش أن في أبيات كعب بن جعيل لإبراهيم خفيف رمل بالوسطى.

  دور معاوية بمكة:

  حدّثني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب وعمّي وحبيب بن نصر المهلَّبيّ قالوا حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني عبد اللَّه بن محمد بن موسى الهاشميّ قال حدّثني أحمد بن موسى بن حمزة بن عمارة بن صفوان الجمحيّ عن أبيه قال:

  / أوّل من نقل الغناء الفارسيّ من الفارسيّ إلى الغناء العربيّ سعيد بن مسجح مولى بني مخزوم. قال: وقد يختلف في ولائه إلا أن الأغلب عليه ولاء بني مخزوم، وذلك أنّ معاوية بن أبي سفيان لما بنى دوره التي يقال لها:

  «الرّقط»⁣(⁣٥) - وهي ما بين الدارين إلى الرّدم⁣(⁣٦): أوّلها الدار البيضاء وآخرها دار الحمّام، وهي على يسار المصعد من المسجد إلى «ردم عمر» - حمل⁣(⁣٧) لها بنّائين فرسا من العراق فكانوا يبنونها بالجصّ والآجر، وكان سعيد بن مسجح يأتيهم فيسمع من غنائهم على بنيانهم، فما استحسن من ألحانهم أخذه ونقله إلى الشعر العربيّ، ثم صاغ على نحو ذلك؛ وهو الذي علَّم الغريض، فكان من قديم غنائه الذي صنعه على تلك الأغاني:

  صوت

  أسلام إنّك قد ملكت فأسجحي⁣(⁣٨) ... قد يملك الحرّ الكريم فيسجح

  منّي على عان أطلت عناءه ... في الغلّ عندك والعناة تسرّح

  إنّي لأنصحكم وأعلم أنه ... سيّان عندك من يغشّ وينصح


(١) الأجواز: جمع جوز وهو وسط الشيء ومعظمه، يقال: قطعوا جوز الفلاة وأجواز الفلا، والتنوفة: الفلاة التي لا ماء بها.

(٢) استن: هاج وثار من استن الفرس في المضمار إذا جرى في نشاطه على سنن؛ والمور: الغبار تثيره الرياح.

(٣) الدعاميص: دود أسود يكون في الغدران إذا نشّت، أو هو دود له رأسان يرى في الماء إذا قل.

(٤) نش الغدير: يبس ماؤه ونضب.

(٥) كذا في جميع الأصول، وقد تعرّض الأزرقيّ في «تاريخ مكة» لدور معاوية وذكر أنّ من بينها دارا تسمّى «الرقطاء» وسميت بذلك لأنها بنيت بالآجرّ الأحمر والجصّ الأبيض، ومنها «الدار البيضاء» وسمّيت بذلك لأنها بنيت بالجصّ ثم طليت به وكانت كلَّها بيضاء، ثم ذكر بقيّة الدور بأسمائها ولم يذكر أنّ هناك دورا تسمّى الرقط (انظره في صفحتي ٤٤٩ و ٤٥٠) طبع ليبسك.

(٦) يريد به ردم عمر بن الخطاب ¥ وقد ذكر في «تاريخ مكة» (ص ٤٥٠) ولم يذكر ياقوت في «معجمه» إلا ردم بني جمح بن عمرو.

(٧) كذا في ح. وفي أ، م: «فحمل» بالفاء وفي سائر النسخ: «فجعل» ولا موقع للفاء في سياق الكلام.

(٨) الإسجاح: حسن العفو، ومنه المثل السائر في العفو عند المقدرة «ملكت فأسجح» وهو مرويّ عن عائشة قالته لعلي ® يوم الجمل حين ظهر على الناس فدنا من هودجها ثم كلمهما بكلام، فأجابته: «ملكت فأسجح» أي ظفرت فأحسن وقدرت فسهل.