كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار موسى شهوات ونسبه

صفحة 252 - الجزء 3

  فكتب⁣(⁣١) إلى ابن الزبير بذلك وقال له: إذا كانت لك بالبصرة حاجة فاصرف ابنك عنها وأعد إليها مصعبا؛ ففعل ذلك. وقال بعض الشعراء يهجو حمزة ويعيبه بقوله في أمر الماء الذي رآه قد جزر:

  يا بن الزّبير بعثت حمزة عاملا ... يا ليت حمزة كان خلف عمان

  أزرى بدجلة حين عبّ عبابها ... وتقاذفت بزواخر الطَّوفان

  نفار النوار من الفرزدق والتجاؤها لابن الزبير وشفاعة الفرزدق بابنه حمزة:

  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسّان دماذ عن أبي عبيدة قال:

  خطب النّوار ابنة أعين المجاشعيّة رجل من قومها، فجعلت أمرها إلى الفرزدق، وكان ابن عمها دنية⁣(⁣٢)، ليزوّجها منه، فأشهد عليها بذلك وبأنّ أمرها إليه شهودا عدولا؛ فلما أشهدتهم على نفسها قال لهم الفرزدق: فإني أشهدكم أنّي قد تزوّجتها، فمنعته النّوار نفسها وخرجت إلى الحجاز إلى عبد اللَّه بن الزّبير، فاستجارت بامرأته بنت منظور بن زبّان، وخرج الفرزدق فعاذ بابنه حمزة، وقال يمدحه:

  يا حمز هل لك في ذي حاجة، غرضت⁣(⁣٣) ... أنضاؤه بمكان⁣(⁣٤) غير ممطور

  / فأنت أولى قريش أن تكون لها ... وأنت بين أبي بكر ومنظور

  / فجعل أمر النّوار يقوى وأمر الفرزدق يضعف؛ فقال الفرزدق في ذلك:

  أمّا بنوه فلم تنفع شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا

  ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا⁣(⁣٥) ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

  فبلغ ابن الزّبير شعره، ولقيه على باب المسجد وهو خارج منه فضغط حلقه حتى كاد يقتله، ثم خلَّاه وقال:

  لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا⁣(⁣٦) ... ولو رضيت رمح⁣(⁣٧) استه لاستقرّت

  ثم دخل إلى النّوار فقال لها: إن شئت فرّقت بينك وبينه ثم ضربت عنقه فلا يهجونا أبدا، وإن شئت أمضيت نكاحه فهو ابن عمّك وأقرب الناس إليك، وكانت امرأة صالحة، فقالت: أو ما غير هذا؟ قال: لا؛ قالت: ما أحبّ أن يقتل ولكني أمضي أمره فلعلّ اللَّه أن يجعل في كرهي إيّاه خيرا؛ فمضت إليه وخرجت معه إلى البصرة.

  غنى معبد حمزة بن عبد اللَّه بشعره فأجازه:

  أخبرني الحسين بن يحيى ومحمد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن الزّبيريّ:

  أن حمزة بن عبد اللَّه كان جوادا، فدخل إليه معبد يوما وقد أرسله ابن قطن مولاه يقترض له من حمزة ألف


(١) في «تاريخ الطبري» قسم ٢ ص ٧٥٢ «كتب الأحنف».

(٢) يقال: هو ابن عم دنية أي لاصق النسب.

(٣) في الأصول «عرضت» وقد صححها الأستاذ الشنقيطي كما أثبتناه. و «غرضت»: ملَّت وضجرت.

(٤) كذا في «الأغاني» في ترجمة الفرزدق (ج ١٩ ص ١١ طبعة بولاق) وفي الأصول هنا: «ببلاد» وهو لا يتفق مع الوصف.

(٥) كذا في «ديوان» الفرزدق، وفي الأصول: «متزرا» بالإدغام. وإدغام الهمزة في تاء الافتعال بعضهم يجيزه والأكثر على منعه.

(٦) في رواية أخرى:

ألا تلكم عرس الفرزدق جامحا

(٧) يريد بقوله «رمح اسنه»: طعنه في دبره ورفسه بالأرجل، وهذا كناية عن امتهانه واحتقاره، والرمح: الضرب بالرجل.