كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 263 - الجزء 4

  أبي العتاهية وصنعة أهله:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال قال أبو عون أحمد بن المنجّم أخبرني خيار الكاتب قال:

  كان أبو العتاهية وإبراهيم الموصليّ من أهل المذار⁣(⁣١) جميعا، وكان أبو العتاهية وأهله يعملون الجرار الخضر، فقدما إلى بغداد ثم افترقا؛ فنزل إبراهيم الموصليّ ببغداد، ونزل أبو العتاهية الحيرة. وذكر عن الرّياشيّ أنه قال مثل ذلك، وأن أبا العتاهية نقله إلى الكوفة.

  قال محمد بن موسى: فولاء أبي العتاهية من قبل أبيه لعنزة، ومن قبل أمّه لبني زهرة، ثم لمحمد بن هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص، وكانت أمّه مولاة لهم، يقال لها أمّ زيد.

  / أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن مهروية؛ قال قال الخليل بن أسد:

  كان أبو العتاهية يأتينا فيستأذن ويقول: أبو إسحاق الخزّاف. وكان أبوه حجّاما من أهل ورجة⁣(⁣٢)؛ ولذلك يقول أبو العتاهية:

  ألا إنّما التّقوى هو العزّ والكرم ... وحبّك للدّنيا هو الفقر والعدم

  وليس على عبد تقيّ نقيصة ... إذا صحّح التّقوى وإن حاك أو حجم

  فاخره رجل من كنانة فقال شعرا:

  حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا محمد بن أبي العتاهية قال:

  / جاذب رجل من كنانة أبا العتاهية في شيء، ففخر عليه الكنانيّ واستطال بقوم من أهله؛ فقال أبو العتاهية:

  دعني من ذكر أب وجدّ ... ونسب يعليك سور المجد

  ما الفخر إلا في التّقى والزّهد ... وطاعة تعطى جنان الخلد

  لا بدّ من ورد لأهل الورد ... إمّا إلى ضحل⁣(⁣٣) وإمّا عدّ⁣(⁣٤)

  آراؤه الدينية:

  حدّثني الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن موسى عن أحمد بن حرب قال:

  كان مذهب أبي العتاهية القول بالتوحيد، وأنّ اللَّه خلق جوهرين متضادّين لا من شيء، ثم إنه بنى العالم هذه البنية منهما، وأن العالم حديث العين والصّنعة لا محدث له إلا اللَّه. وكان يزعم أنّ اللَّه سيردّ كلّ شيء إلى الجوهرين المتضادّين قبل أن تفنى الأعيان جميعا. وكان يذهب إلى أن المعارف واقعة بقدر الفكر / والاستدلال


(١) كذا في أ، بالذال المعجمة. والمذار في ميسان بين واسط والبصرة، وهي قصبة ميسان بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيام. وفي سائر النسخ: «المزار» بالزاي المعجمة؛ ولم نعثر عليه في أسماء البلدان.

(٢) كذا في جميع الأصول التي بأيدينا، ولم نعثر عليه في «معاجم البلدان»، والذي في «اللسان» (مادة ودج) و «معجم ما استعجم» (ج ٢ ص ٦٢٢) أن «ودج» اسم موضع.

(٣) الضحل: الماء القليل على الأرض لا عمق له.

(٤) العدّ: الماء الجاري الذي له مادة لا تنقطع كماء العين.