كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 264 - الجزء 4

  والبحث طباعا. وكان يقول بالوعيد وبتحريم المكاسب، ويتشيّع بمذهب الزّيدية⁣(⁣١) البتريّة المبتدعة، لا يتنقّص أحدا ولا يرى مع ذلك الخروج على السّلطان. وكان مجبّرا⁣(⁣٢).

  مناظرته لثمامة بن أشرس في العقائد بين يدي المأمون:

  قال الصّوليّ: فحدّثني يموت بن المزرّع قال حدّثني الجاحظ قال: قال أبو العتاهية لثمامة بين يدي المأمون - وكان كثيرا ما يعارضه بقوله في الإجبار -: أسألك عن مسألة. فقال له المأمون: عليك بشعرك. فقال: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في مسألته ويأمره بإجابتي! فقال له: أجبه إذا سألك. فقال: أنا أقول: إنّ كلّ ما فعله العباد من خير وشرّ فهو من اللَّه، وأنت تأبى ذلك، فمن حرّك يدي هذه؟ وجعل أبو العتاهية يحرّكها. فقال له ثمامة:

  حرّكها من أمّه زانية. فقال: شتمني واللَّه يا أمير المؤمنين. فقال ثمامة: ناقض الماصّ بظر أمه واللَّه يا أمير المؤمنين! فضحك المأمون وقال له: ألم أقل لك أن تشتغل بشعرك وتدع ما ليس من عملك! قال ثمامة: فلقيني بعد ذلك فقال لي: يا أبا معن، أما أغناك الجواب عن السّفه؟! فقلت: إنّ من أتمّ الكلام ما قطع الحجة، وعاقب على الإساءة، وشفى من الغيظ، وانتصر من الجاهل.

  قال محمد بن يحيى وحدّثني عون بن محمد الكنديّ قال:

  سمعت العبّاس بن رستم يقول: كان أبو العتاهية مذبذبا في مذهبه: يعتقد شيئا، فإذا سمع طاعنا عليه ترك اعتقاده إيّاه وأخذ غيره.

  اعترض عليه أبو الشمقمق في ملازمة المخنثين فأجابه:

  حدّثني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني ابن أبي الدّنيا قال حدّثني الحسين بن عبد ربه قال حدّثني عليّ بن عبيدة الرّيحانيّ قال حدّثني أبو الشّمقمق: أنه رأى أبا العتاهية يحمل زاملة المخنّثين، فقلت له⁣(⁣٣): أمثلك يضع نفسه هذا الموضع مع سنّك وشعرك وقدرك؟! فقال له: أريد أن أتعلَّم كيادهم، وأتحفّظ كلامهم.

  حاوره بشر بن المعتمر في صنعة الحجامة:

  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال:

  ذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أنّ بشر بن المعتمر قال يوما لأبي العتاهية: بلغني أنك لمّا نسكت جلست تحجم اليتامى والفقراء للسبيل، أكذلك كان؟ قال نعم. قال له: فما أردت بذلك؟ قال: أردت أن أضع من نفسي حسبما رفعتني الدّنيا، وأضع منها ليسقط عنها الكبر، وأكتسب بما فعلته الثواب، وكنت أحجم اليتامى والفقراء خاصّة. فقال له بشر: / دعني من تذليلك نفسك بالحجامة؛ فإنه ليس بحجّة لك أن تؤدّبها وتصلحها بما لعلَّك تفسد به أمر غيرك؛ أحبّ أن تخبرني هل كنت تعرف الوقت الذي كان يحتاج فيه من تحجمه إلى إخراج الدّم؟ قال


(١) الزيدية: فرقة نسبت إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ¥، تقصر الإمامة على أولاد فاطمة ولا تجيز الإمامة في غيرهم. والبترية: طائفة منهم أصحاب كثير النوى الأبتر، توقفوا في أمر عثمان أهو مؤمن أم كافر، وفضلوا عليا على جميع الناس بعد رسول اللَّه (انظر الكلام على هذه الفرقة ببيان واف في كتاب «الملل والنحل» للشهرستاني طبع أوروبا ص ١١٥ - ١٢١).

(٢) مجبرا: يقول بالجبر، وهو عند أهل الكلام إسناد إفعال إلى اللَّه سبحانه إيجادا وتأثيرا. ويقول الجبرية إنه لا قدرة للعبد أصلا لا مؤثرة ولا كاسبة، فهو بمنزلة الجمادات فيما يوجد منها.

(٣) كذا في جميع الأصول. ولعله: «فقال له».