كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 265 - الجزء 4

  لا. قال: هل كنت تعرف مقدار ما يحتاج كلّ واحد منهم إلى أن يخرجه على قدر طبعه، مما إذا زدت فيه أو نقصت منه ضرّ المحجوم؟ قال لا. قال: فما أراك إلا أردت أن تتعلَّم الحجامة على أقفاء اليتامى والمساكين!

  أراد حمدوية صاحب الزنادقة أخذه فتستر بالحجامة:

  أخبرني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثنا أبو ذكوان قال حدّثنا العبّاس بن رستم قال: كان حمدويه صاحب الزّنادقة قد أراد أن يأخذ أبا العتاهية، ففزع من ذلك وقعد حجّاما.

  / أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال قال أبو دعامة عليّ بن يزيد: أخبر يحيى بن خالد أنّ أبا العتاهية قد نسك، وأنه جلس يحجم النّاس للأجر تواضعا بذلك. فقال: ألم يكن يبيع الجرار قبل ذلك؟ فقيل له بلى. فقال: أما في بيع الجرار من الذّلّ ما يكفيه ويستغنى به عن الحجامة!

  سئل عن خلق القرآن فأجاب:

  أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثني شيخ من مشايخنا قال حدّثني أبو شعيب صاحب ابن أبي دواد قال:

  قلت لأبي العتاهية: القرآن عندك مخلوق أم غير مخلوق؟ فقال: أسألتني عن اللَّه أم عن غير اللَّه؟ قلت: عن غير اللَّه، فأمسك. وأعدت عليه فأجابني هذا الجواب، حتى فعل ذلك مرارا. فقلت له: ما لك لا تجيبني؟ قال: قد أجبتك ولكنّك حمار.

  أوصافه وصناعته:

  أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا شيخ من مشايخنا قال حدّثني محمد بن موسى قال:

  كان أبو العتاهية قضيفا⁣(⁣١)، أبيض اللون، أسود الشعر، له وفرة⁣(⁣٢) جعدة، وهيئة حسنة ولباقة وحصافة، وكان له عبيد من السّودان، ولأخيه زيد أيضا عبيد منهم يعملون الخزف في أتّون⁣(⁣٣) لهم؛ فإذا اجتمع منه شيء ألقوه على أجير لهم يقال له أبو عباد / اليزيديّ من أهل طاق⁣(⁣٤) الجرار بالكوفة، فيبيعه على يديه ويردّ فضله إليهم. وقيل: بل كان يفعل ذلك أخوه زيد لا هو؛ وسئل عن ذلك فقال: أنا جرّار القوافي، وأخي جرّار التّجارة.

  قال محمد بن موسى: وحدّثني عبد اللَّه بن محمد قال حدّثني عبد الحميد بن سريع مولى بني عجل قال:

  أنا رأيت أبا العتاهية وهو جرّار يأتيه الأحداث والمتأدّبون فينشدهم أشعاره، فيأخذون ما تكسّر من الخزف فيكتبونها فيها.

  كان يشم أبا قابوس ويفضل عليه العتابيّ فهجاه:

  حدّثني محمد بن يحيى الصّوليّ قال حدّثني عون بن محمد الكنديّ قال حدّثني محمد بن عمر الجرجانيّ قال:


(١) كذا فيء، أ، م، والقضيف: الدقيق العظم القليل اللحم. وفي ب، س: «نظيفا». وفي ح: «قصيفا» بالصاد المهملة. والظاهر أنها مصحفة عن «قضيفا».

(٢) الوفرة: الشعر المجتمع على الرأس أو ما سال على الأذنين أو ما جاوز شحمة الأذن. والجعدة: التي فيها التواء وتقبض.

(٣) الأتون (بتشديد التاء): الموقد، والعامة تخففه.

(٤) في ب، س: «طارق الجرار» وهو تحريف.