كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 269 - الجزء 4

  حمّ الرّشيد، فصار أبو العتاهية إلى الفضل بن الرّبيع برقعة فيها:

  لو علم النّاس كيف أنت لهم ... ماتوا إذا ما ألمت أجمعهم

  / خليفة اللَّه أنت ترجح بال ... نّاس إذا ما وزنت أنت وهم

  قد علم النّاس أنّ وجهك يس ... تغني⁣(⁣١) إذا ما رآه معدمهم

  فأنشدها الفضل بن الربيع الرشيد؛ فأمر بإحضار أبي العتاهية، فما زال يسامره ويحدّثه إلى أن برئ⁣(⁣٢)، ووصل إليه بذلك السبب مال جليل.

  إعجاب ابن الأعرابيّ به وإفحامه من تنقص شعره:

  قال: وحدّثت أنّ ابن الأعرابيّ حدّث بهذا الحديث؛ فقال له رجل بالمجلس: ما هذا الشعر بمستحق لما قلت. قال: ولم؟ قال: لأنه شعر ضعيف. فقال ابن الأعرابيّ - وكان أحدّ الناس -: الضعيف واللَّه عقلك لا شعر أبي العتاهية، ألأبي العتاهية تقول: إنّه ضعيف الشعر! فو اللَّه ما رأيت شاعرا قطَّ أطبع ولا أقدر / على بيت منه، وما أحسب مذهبه إلا ضربا من السحر، ثم أنشد له:

  قطَّعت منك حبائل الآمال ... وحططت عن ظهر المطيّ رحالي

  ووجدت برد اليأس بين جوانحي ... فأرحت من حلّ ومن ترحال

  يا أيها البطر الذي هو من غد ... في قبره متمزّق الأوصال

  حذف المنى عنه⁣(⁣٣) المشمّر في الهدى ... وأرى مناك طويلة الأذيال

  حيل ابن آدم في الأمور كثيرة ... والموت يقطع حيلة المحتال

  قست السؤال فكان أعظم قيمة ... من كلّ عارفة جرت بسؤال

  فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرّم المفضال

  / وإذا خشيت تعذّرا في بلدة ... فاشدد يديك بعاجل التّرحال

  واصبر على غير الزّمان فإنّما ... فرج الشّدائد مثل حلّ عقال

  ثم قال للرجل: هل تعرف أحدا يحسن أن يقول مثل هذا الشّعر؟ فقال له الرجل: يا أبا عبد اللَّه، جعلني اللَّه فداءك! إني لم أردد عليك ما قلت، ولكنّ الزهد مذهب أبي العتاهية، وشعره في المديح ليس كشعره في الزّهد.

  فقال: أفليس الذي يقول في المديح:


(١) كذا في جميع النسخ و «الديوان»، وهي رواية جيدة وفيها المطابقة بين العدم والغنى. ومع هذا فمن المحتمل أن يكون «يستسقي»؛ قال أبو طالب:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

(٢) أهل العالية يقولون: برأت من المرض أبرأ برءا وبروءا. وأهل الحجاز يقولون: برأت من المرض برءا بالفتح. وسائر العرب يقولون: برئت من المرض. وبرؤ برءا من باب قرب لغة. (انظر «اللسان» مادة برأ و «المصباح المنير»).

(٣) في ب، س، ح: «عند» وهو تحريف.