ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  وهارون ماء المزن يشفى به الصّدى(١) ... إذا ما الصّدي بالرّيق غصّت حناجره
  وأوسط بيت في قريش لبيته ... وأوّل عزّ في قريش وآخره
  وزحف له تحكي البروق سيوفه ... وتحكي الرعود القاصفات حوافره
  إذا حميت شمس النّهار تضاحكت ... إلى الشّمس فيه بيضه(٢) ومغافره
  إذا نكب الإسلام يوما بنكبة ... فهارون من بين البريّة ثائره
  ومن ذا يفوت الموت والموت مدرك ... كذا لم يفت هارون ضدّ ينافره
  قال: فتخلَّص الرجل من شرّ ابن الأعرابيّ بأن قال له: القول كما قلت، وما كنت سمعت له مثل هذين الشعرين، وكتبهما عنه.
  قال أبو نواس لست أشعر الناس وهو حي:
  حدّثني محمد قال حدّثني أحمد بن أبي طاهر قال حدّثني ابن الأعرابيّ المنجّم قال حدّثني هارون بن سعدان بن الحارث مولى عبّاد قال:
  حضرت أبا نواس في مجلس وأنشد شعرا. فقال له من حضر في المجلس: أنت أشعر الناس. قال: أمّا والشيخ حيّ فلا. (يعني أبا العتاهية).
  أنشد لثمامة شعره في ذم البخاري فاعترض على بخاري فأجابه:
  أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال:
  / قال ثمامة بن أشرس أنشدني أبو العتاهية:
  إذا المرء لم يعتق من المال نفسه ... تملَّكه المال الذي هو مالكه
  ألا إنّما مالي الذي أنا منفق ... وليس لي المال الذي أنا تاركه
  إذا كنت ذا مال فبادر به الذي ... يحقّ وإلَّا استهلكته مهالكه
  فقلت له: من أين قضيت بهذا؟ فقال: من قول رسول اللَّه ﷺ: «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت». فقلت له: أتؤمن بأنّ هذا قول رسول اللَّه ﷺ وأنه الحقّ؟ قال نعم. قلت:
  فلم تحبس عندك سبعا / وعشرين بدرة(٣) في دارك، ولا تأكل منها ولا تشرب ولا تزكَّي ولا تقدّمها ذخرا ليوم فقرك وفاقتك؟ فقال: يا أبا معن، واللَّه إنّ ما قلت لهو الحقّ، ولكنّي أخاف الفقر والحاجة إلى الناس. فقلت: وبم تزيد حال من افتقر على حالك وأنت دائم الحرص دائم الجمع شحيح على نفسك لا تشتري اللحم إلا من عيد إلى عيد؟! فترك جواب كلامي كلَّه، ثم قال لي: واللَّه لقد اشتريت في يوم عاشوراء لحما وتوابله وما يتبعه بخمسة دراهم. فلما
(١) الصدى: العطش.
(٢) البيض (بفتح الباء): جمع بيضة وهي الخوذة تصنع من الحديد ليتقي بها في الحرب. والمغافر: جمع مغفر، وهو زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة، وقيل فيه غير ذلك.
(٣) البدرة: عشرة آلاف درهم.