ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  يوم؟ قال / رغيفين. فقلت له: لا يكفيانه. قال: من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير، وكلّ من أعطى نفسه شهوتها هلك، وهذا خادم يدخل إلى حرمي وبناتي، فإن لم أعوّده القناعة والاقتصاد أهلكني وأهلك عيالي ومالي. فمات الخادم بعد ذلك فكفّنه في إزار وفراش له خلق. فقلت له: سبحان اللَّه! خادم قديم الحرمة طويل الخدمة واجب الحق، تكفّنه في خلق، وإنما يكفيك له كفن بدينار! فقال: إنه يصير إلى البلى، والحيّ أولى بالجديد من الميّت.
  فقلت له: يرحمك اللَّه أبا إسحاق! فلقد عوّدته الاقتصاد حيّا وميّتا.
  قال محمد بن عيسى هذا: وقف عليه ذات يوم سائل من العيّارين(١) الظَّرفاء وجماعة من جيرانه حوله، فسأله من بين الجيران؛ فقال: صنع اللَّه لك! فأعاد السّؤال فأعاد عليه ثانية، فأعاد عليه ثالثة فردّ عليه مثل ذلك، فغضب وقال له: ألست القائل:
  كلّ حيّ عند ميتته ... حظَّه من ماله الكفن
  ثم قال: فباللَّه عليك أتريد أن تعدّ مالك كلَّه لثمن كفنك؟ قال لا. قال: فباللَّه كم قدّرت لكفنك؟ قال: خمسة دنانير. قال: فهي إذا حظَّك من مالك / كلَّه. قال نعم. قال: فتصدّق عليّ من غير حظَّك بدرهم واحد. قال: لو تصدّقت عليك لكان حظَّي. قال: فاعمل على أنّ دينارا من الخمسة الدنانير وضيعة(٢) قيراط، وادفع إليّ قيراطا واحدا، وإلا فواحدة أخرى(٣). قال: وما هي؟ قال: القبور تحفر بثلاثة دراهم، فأعطني درهما وأقيم لك كفيلا بأنّي أحفر لك قبرك به متى متّ، وتربح درهمين لم يكونا في حسبانك، فإن لم أحتفر رددته على ورثتك أو ردّه كفيلي عليهم. فخجل أبو العتاهية وقال: اعزب لعنك اللَّه وغضب عليك! فضحك جميع من حضر. ومرّ السائل يضحك؛ فالتفت إلينا أبو العتاهية فقال: من أجل هذا وأمثاله حرّمت الصدقة. فقلنا له: ومن حرّمها ومتى حرّمت! فما رأينا أحدا ادّعى أنّ الصدقة حرّمت قبله ولا بعده.
  قال محمد بن عيسى هذا: وقلت لأبي العتاهية: أتزكَّي مالك؟ فقال: واللَّه ما أنفق على عيالي إلَّا من زكاة مالي. فقلت: سبحان اللَّه! إنما ينبغي أن تخرج زكاة مالك إلى الفقراء والمساكين. فقال: لو انقطعت عن عيالي زكاة مالي لم يكن في الأرض أفقر منهم.
  سئل عن أحكم شعره فأجاب:
  أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال:
  قال سليمان بن أبي شيخ قال إبراهيم بن أبي شيخ قلت لأبي العتاهية: أيّ شعر قلته أحكم؟ قال قولي:
  علمت يا مجاشع بن مسعده ... أنّ الشّباب والفراغ والجده
  مفسدة للمرء أيّ مفسده
  عاتب عمرو بن مسعدة على عدم قضاء حاجته بعد موت أخيه:
  أخبرني عيسى قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثنا أبو غزيّة قال:
(١) العيار: الكثير الطواف والذي يتردّد بلا عمل.
(٢) الوضيعة: الحطيطة.
(٣) في ب، س: «فواحدا آخر قال وما ذلك».