كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 279 - الجزء 4

  قال بشّار لأبي العتاهية: أنا واللَّه أستحسن اعتذارك من دمعك حيث تقول:

  كم من صديق لي أسا ... رقه البكاء من الحياء

  فإذا تأمّل لامني ... فأقول ما بي من بكاء

  لكن ذهبت لأرتدي ... فطرفت عيني بالرّداء

  فقال له أبو العتاهية: لا واللَّه يا أبا معاذ، ما لذت إلَّا بمعناك ولا اجتنيت إلا من غرسك حيث تقول:

  صوت

  شكوت إلى الغواني ما ألاقي ... وقلت لهنّ ما يومي بعيد

  فقلن بكيت قلت لهنّ كلَّا ... وقد يبكي من الشّوق الجليد

  ولكنّي أصاب سواد عيني ... عويد قدى له طرف حديد

  فقلن فما لدمعهما سواء ... أكلتا مقلتيك أصاب عود

  لإبراهيم الموصليّ في هذه الأبيات لحن من الثّقيل الأوّل بالوسطى مطلق.

  شكا إليه محمد بن الفضل الهاشميّ جفاء السلطان فقال شعرا:

  أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني محمد بن هارون الأزرقيّ مولى بني هاشم عن ابن عائشة عن ابن لمحمد بن الفضل الهاشميّ قال:

  جاء أبو العتاهية إلى أبي فتحدّثا ساعة، وجعل أبي يشكو إليه تخلَّف الصّنعة⁣(⁣١) وجفاء السلطان. فقال لي أبو العتاهية: اكتب:

  كلّ على الدّنيا له حرص ... والحادثات أناتها غفص⁣(⁣٢)

  وكأنّ من واروه في جدث ... لم يبد منه لناظر شخص

  تبغي من الدنيا زيادتها ... وزيادة الدنيا هي النّقص

  ليد المنيّة في تلطَّفها ... عن ذخر كلّ شفيقة فحص

  حبسه الرشيد ثم عفا عنه وأجازه:

  حدّثني عمرو قال حدّثني عليّ بن محمد الهشاميّ⁣(⁣٣) عن جدّه ابن حمدون قال أخبرني مخارق / قال:

  لمّا تنسّك⁣(⁣٤) أبو العتاهية ولبس الصوف، أمره الرشيد أن يقول شعرا في الغزل، فامتنع؛ فضربه الرشيد ستين عصا، وحلف ألَّا يخرج من حبسه حتى يقول شعرا / في الغزل. فلمّا رفعت المقارع عنه قال أبو العتاهية: كلّ


(١) كذا في الأصول. ولعلها: «الصنيعة».

(٢) الغفص: الختل.

(٣) في جميع النسخ: «الشامي» وهو تحريف.

(٤) في ح: «تقرّأ» ومعناه: تنسك.