كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 285 - الجزء 4

  عجبت حتى غمّني السكوت ... صرت كأنّي حائر مبهوت

  كذا قضى اللَّه فكيف أصنع ... الصمت إن ضاق الكلام أوسع

  وهي طويلة جدّا، وإنما ذكرت هذا القدر منها حسب ما استاق الكلام من صفتها.

  برمه بالناس وذمهم في شعره:

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن مهرويه عن روح بن الفرج قال:

  شاور رجل أبا العتاهية فيما ينقشه على خاتمه؛ فقال: انقش عليه: لعنة اللَّه على الناس؛ وأنشد:

  /

  برمت بالناس وأخلاقهم ... فصرت أستأنس بالوحدة

  ما أكثر الناس لعمري وما ... أقلَّهم في حاصل العدّه

  مدح عمر بن العلاء فأجازه وفضله على الشعراء:

  حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن الضحّاك: أنّ عمر بن العلاء مولى عمرو بن حريث صاحب المهديّ كان ممدّحا، فمدحه أبو العتاهية، فأمر له بسبعين ألف درهم؛ فأنكر ذلك بعض الشعراء وقال:

  كيف فعل هذا بهذا الكوفيّ! وأيّ شيء مقدار شعره! فبلغه ذلك، فأحضر الرجل وقال له: واللَّه إنّ الواحد منكم ليدور على المعنى فلا يصيبه، ويتعاطاه فلا يحسنه، حتى يشبّب بخمسين بيتا، ثم يمدحنا ببعضها، وهذا كأنّ المعاني تجمع له، مدحني فقصّر التشبيب، وقال:

  إنّي أمنت من الزمان وريبه ... لمّا علقت من الأمير حبالا

  لو يستطيع الناس من إجلاله ... لحذوا له حرّ الوجوه نعالا

  صوت

  إنّ المطايا تشتكيك لأنّها ... قطعت إليك سباسبا⁣(⁣١) ورمالا

  فإذا وردن بنا وردن مخفّة⁣(⁣٢) ... وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا

  أخذ هذا المعنى من قول نصيب:

  فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب

  رأى العتابي فيه:

  حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن عون قال حدّثني محمد بن النّضر كاتب غسّان بن عبد اللَّه قال:

  / أخرجت رسولا إلى عبد اللَّه بن طاهر وهو يريد مصر، فنزلت على العتّابيّ، وكان لي صديقا، فقال: أنشدني لشاعر العراق - يعني أبا نواس، وكان قد مات - فأنشدته / ما كنت أحفظ من ملحه، وقلت له: ظننتك تقول هذا لأبي العتاهية. فقال: لو أردت أبا العتاهية لقلت لك: أنشدني لأشعر الناس، ولم اقتصر على العراق.


(١) سباسب: جمع سبسب، وهو الأرض القفر البعيدة.

(٢) مخفة: قليلة الحمل. وفي «ديوانه» (طبع بيروت): «خفائفا».