كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 286 - الجزء 4

  ملاحظته على سهولة الشعر لمن يعالجه:

  أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني هارون بن سعدان عن شيخ من أهل بغداد قال:

  قال أبو العتاهية: أكثر الناس يتكلَّمون بالشعر وهم لا يعلمون، ولو أحسنوا تأليفه كانوا شعراء كلَّهم. قال:

  فبينما نحن كذلك إذ قال رجل لآخر عليه مسح⁣(⁣١): «يا صاحب المسح تبيع المسح؟»⁣(⁣٢). فقال لنا أبو العتاهية: هذا من ذلك، ألم تسمعوه يقول:

  يا صاحب المسح تبيع المسحا

  قد قال شعرا وهو لا يعلم. ثم قال الرجل: «تعال إن كنت تريد الرّبح»⁣(⁣٢). فقال أبو العتاهية: وقد أجاز المصراع بمصراع آخر وهو لا يعلم، قال له:

  تعال إن كنت تريد الرّبحا

  وصف الأصمعيّ شعره:

  حدّثنا الصّوليّ قال حدّثنا محمد بن موسى قال حدّثنا أحمد بن بشير⁣(⁣٣) أبو طاهر الحلبيّ قال حدّثنا مزيد الهاشميّ عن السّدريّ قال:

  / سمعت الأصمعيّ يقول: شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب والتراب والخزف والنّوى.

  مدح يزيد بن منصور لشفاعته فيه لدى المهدي:

  أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال:

  لمّا حبس المهديّ أبا العتاهية، تكلَّم فيه يزيد بن منصور الحميريّ حتى أطلقه؛ فقال فيه أبو العتاهية:

  ما قلت في فضله شيئا لأمدحه ... إلَّا وفضل يزيد فوق ما قلت

  ما زلت من ريب دهري خائفا وجلا ... فقد كفاني بعد اللَّه ما خفت

  قدرته على ارتجال الشعر:

  أخبرني يحيى بن عليّ إجازة قال حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني محمد بن يحيى قال حدّثني عبد اللَّه بن الحسن قال:

  جاءني أبو العتاهية وأنا في الديوان فجلس إليّ. فقلت: يا أبا إسحاق، أما يصعب عليك شيء من الألفاظ فتحتاج فيه إلى استعمال الغريب كما يحتاج إليه سائر من يقول الشعر، أو إلى ألفاظ مستكرهة؟ قال لا. فقلت [له]⁣(⁣٤): إنّي لأحسب ذلك من كثرة ركوبك القوافي السّهلة. قال: فاعرض عليّ ما شئت من القوافي الصعبة.

  فقلت: قل أبياتا على مثل البلاغ. فقال من ساعته:


(١) المسح: كساء من شعر كثوب الرهبان.

(٢) في الأصول: «المسحا» و «الربحا» بالألف، وهو نثر لا داعي فيه لألف الإطلاق.

(٣) في أ، ء، م: «ابن بشر».

(٤) زيادة عن ح.