ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  أيّ عيش يكون أبلغ من عي ... ش كفاف قوت بقدر البلاغ(١)
  صاحب البغي ليس يسلم منه ... وعلى نفسه بغى كلّ باغي
  ربّ ذي نعمة تعرّض منها ... حائل بينه وبين المساغ
  أبلغ الدهر في مواعظه بل ... زاد فيهنّ لي على الإبلاغ
  غبنتني الأيّام عقلي ومالي ... وشبابي وصحّتي وفراغي
  / أخبرنا يحيى إجازة قال حدّثنا عليّ بن مهديّ قال حدّثني أبو عليّ اليقطيني قال حدّثني أبو خارجة بن مسلم قال:
  كان مسلم بن الوليد يستخف به فلما أنشده من غزله أكبره
  قال مسلم بن الوليد: كنت مستخفّا بشعر أبي العتاهية، فلقيني يوما فسألني أن أصير إليه، فصرت إليه فجاءني بلون واحد فأكلناه، / وأحضرني تمرا فأكلناه، وجلسنا نتحدّث، وأنشدته أشعارا لي في الغزل، وسألته أن ينشدني؛ فأنشدني قوله:
  باللَّه يا قرّة العينين زوريني ... قبل الممات وإلَّا فاستزيريني
  إنّي لأعجب من حبّ يقرّبني ... ممن يباعدني منه ويقصيني(٢)
  أمّا الكثير فما أرجوه منك ولو ... أطمعتني في قليل كان يكفيني
  ثم أنشدني أيضا:
  رأيت الهوى جمر الغضى غير أنّه ... على حرّه في صدر صاحبه حلو
  صوت
  أخلَّاي بي شجو وليس بكم شجو ... وكلّ امرئ عن شجو صاحبه خلو
  وما من محبّ نال ممن يحبّه ... هوى صادقا إلَّا سيدخله زهو
  بليت وكان المزح بدء بليّتي ... فأحببت حقّا والبلاء له بدو
  وعلَّقت من يزهو(٣) عليّ تجبّرا ... وإنّي في كلّ الخصال له كفو
  رأيت الهوى جمر الغضى غير أنّه ... على كل حال عند صاحبه حلو
(١) البلاغ هنا: الكفاية.
(٢) كذا في أ، ء، م. وفي سائر النسخ: «ويعصيني».
(٣) يزهو: يترفع ويتكبر. والفصيح: «يزهى» بالبناء للمجهول.