ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  رجلاه، وإذا غطَّى رجليه بدا رأسه. فقال له أبو العتاهية: كيف اخترت هذا البلد القفر على البلدان المخصبة؟ فقال له: يا هذا، لولا أن اللَّه أقنع بعض العباد بشرّ البلاد، ما وسع خير البلاد جميع العباد. فقال له: فمن أين معاشكم؟
  فقال: منكم معشر الحاجّ، تمرّون بنا فننال من فضولكم، وتنصرفون فيكون ذلك. فقال [له](١): إنما نمرّ وننصرف في وقت من السنة، فمن أين معاشكم؟ فأطرق الأعرابيّ ثم قال: لا واللَّه لا أدري ما أقول إلا أنّا نرزق من حيث لا نحتسب أكثر مما نرزق من حيث نحتسب. فولَّى أبو العتاهية وهو يقول:
  ألا يا طالب الدّنيا ... دع الدنيا لشانيكا
  وما تصنع بالدنيا ... وظلّ الميل يكفيكا
  شتمه سلَّم لما سمع هجوه فيه:
  أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال:
  لمّا قال أبو العتاهية:
  تعالى اللَّه يا سلَّم بن عمر ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
  قال(٢) سلم: ويلي على ابن الفاعلة! كنز البدور ويزعم أنّي حريص وأنا في ثوبيّ هذين!
  كان عبد اللَّه بن عبد العزيز يتمثل كثيرا بشعره:
  أخبرني محمد بن مزيد والحرميّ بن أبي العلاء قالا حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عمرو بن أدعج قال:
  قلت لعبد اللَّه بن عبد العزيز العمريّ وسمعته يتمثّل كثيرا من شعر أبي العتاهية: أشهد أنّي سمعته ينشد لنفسه:
  /
  مرّت اليوم شاطره ... بضّة الجسم ساخره
  إنّ دنيا هي التي ... مرّت اليوم سافره
  سرقوا نصف اسمها ... فهي دنيا وآخره
  فقال عبد اللَّه بن عبد العزيز: وكله اللَّه إلى آخرتها. قال: وما سمع بعد ذلك يتمثّل ببيت(٣) من شعره.
  قال عليّ بن الحسين مؤلف هذا الكتاب: هذه الأبيات لأبي عيينة المهلَّبيّ، وكان يشبّب بدنيا في شعره، فإما أن يكون الخبر غلطا، وإما أن يكون الرجل أنشدها العمريّ لأبي العتاهية وهو لا يعلم أنّها ليست له.
  موازنة بينه وبين أبي نواس:
  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ قال حدّثنا عيسى بن إسماعيل قال:
  قال لي الحرمازيّ: شهدت أبا العتاهية وأبا نواس في مجلس، وكان أبو العتاهية أسرع الرجلين جوابا عند البديهة، وكان أبو نواس أسرعهما في قول الشعر؛ فإذا تعاطيا جميعا السرعة فضله أبو العتاهية، وإذا توقّفا وتمهّلا فضله أبو نواس.
(١) زيادة عن ح.
(٢) في الأصول: «فقال».
(٣) في الأصول: «وما سمع بعد ذلك بيت يتمثل به ...».