كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره

صفحة 327 - الجزء 4

  مات شيخ لنا ببغداد، فلمّا دفنّاه أقبل الناس على أخيه يعزّونه، فجاء أبو العتاهية إليه وبه جزع شديد، فعزّاه ثم أنشده:

  لا تأمن الدّهر والبس ... لكلّ حين لباسا

  ليدفنّنا أناس ... كما دفنّا أناسا

  / قال: فانصرف الناس، وما حفظوا غير قول أبي العتاهية.

  أرسل لخزيمة من شعره في الزهد فغضب وذمه:

  نسخت من كتاب هارون بن عليّ: حدّثني عليّ بن مهديّ قال حدّثني حبيب بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه:

  قال: كنت في مجلس خزيمة⁣(⁣١)، فجرى حديث ما يسفك من الدماء، فقال: واللَّه ما لنا عند اللَّه عذر ولا حجّة إلَّا رجاء عفوه ومغفرته. ولولا عزّ السلطان وكراهة الذلَّة، وأن أصير بعد الرياسة سوقة وتابعا بعد ما كنت متبوعا، ما كان في الأرض أزهد ولا أعبد منّي؛ فإذا هو بالحاجب قد دخل عليه برقعة من أبي العتاهية فيها مكتوب:

  أراك امرأ ترجو من اللَّه عفوه ... وأنت على ما لا يحبّ مقيم

  تدلّ على التقوى وأنت مقصّر ... أيا من يداوي الناس وهو سقيم

  وإنّ امرأ لم يلهه اليوم عن غد ... تخوّف ما يأتي به لحكيم

  وإنّ امرأ لم يجعل البرّ كنزه ... وإن كانت الدنيا له لعديم

  / فغضب خزيمة وقال: واللَّه ما المعروف عند هذا المعتوه الملحف من كنوز البرّ فيرغب فيه حرّ. فقيل له:

  وكيف ذاك؟ فقال: لأنّه من الذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللَّه.

  مدح يزيد بن مزيد فوصله:

  ونسخت من كتابه: عن عليّ بن مهديّ قال حدّثني الحسين بن أبي السّريّ قال قال لي الفضل بن العبّاس:

  قال لي أبو العتاهية: دخلت على يزيد بن مزيد، فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها:

  وما ذاك إلَّا أنّني واثق بما ... لديك وأنّي عالم بوفائكا

  كأنّك في صدري إذا جئت زائرا ... تقدّر فيه حاجتي بابتدائكا

  وإنّ أمير المؤمنين وغيره ... ليعلم في الهيجاء فضل غنائكا

  كأنّك عند الكرّ في الحرب إنّما ... تفرّ من السّلم الذي من ورائكا

  فما آفة الأملاك غيرك في الوغى ... ولا آفة الأموال غير حبائكا

  قال: فأعطاني عشرة آلاف درهم، ودابة بسرجها ولجامها ...


(١) هو خزيمة بن خازم أحد قوّاد الرشيد.