ذكر نسب أبي العتاهية وأخباره
  وعظ راهب رجلا عابدا بشعره:
  وأخبرني عيسى بن الحسين الورّاق وعمّي الحسن بن محمد وحبيب بن نصر المهلَّبي قالوا: حدّثنا عمر بن شبّة قال:
  مرّ عابد براهب في صومعة؛ فقال له: عظني. فقال: أعظك وعليكم نزل القرآن، ونبيّكم محمد ﷺ قريب العهد بكم(١)؟ قلت نعم. قال: فأتّعظ ببيت من شعر شاعركم أبي العتاهية حين يقول:
  تجرّد من الدنيا فإنّك إنّما ... وقعت إلى الدنيا وأنت مجرّد
  فضله العتابي على أبي نواس:
  أخبرني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني الفضل بن محمد الزّارع قال حدّثني جعفر بن جميل قال:
  / قدم العتّابي الشاعر على المأمون، فأنزله على إسحاق بن إبراهيم، فأنزله على كاتبه ثوابة بن يونس، وكنّا نختلف إليه نكتب عنه. فجرى ذات يوم ذكر الشعراء؛ فقال: لكم يا أهل العراق شاعر منوّه الكنية، ما فعل؟ فذكر القوم أبا نواس؛ فانتهرهم ونفض يده وقال: ليس ذلك، حتى طال الكلام. فقلت: لعلَّك تريد أبا العتاهية. فقال:
  / نعم! ذاك أشعر الأوّلين والآخرين في وقته.
  لام أبا نواس في استماع الغناء:
  أخبرني محمد بن عمران قال حدّثني العنزيّ قال حدّثني محمد بن إسحاق عن عليّ بن عبد اللَّه الكنديّ قال:
  جلس أبو العتاهية يوما يعذل أبا نواس ويلومه في استماع الغناء ومجالسته لأصحابه؛ فقال له أبو نواس:
  أتراني يا عتاهي ... تاركا تلك الملاهي
  أتراني مفسدا بالنّ ... سك عند القوم جاهي
  قال: فوثب أبو العتاهية وقال: لا بارك اللَّه عليك! وجعل أبو نواس يضحك.
  بلغه أن إبراهيم بن المهدي رماه بالزندقة فبعث إليه يعاتبه فردّ عليه إبراهيم:
  أخبرني جحظة قال حدّثني هبة اللَّه بن إبراهيم بن المهديّ قال:
  بلغ أبا العتاهية أنّ أبي رماه في مجلسه بالزندقة وذكره بها؛ فبعث إليه يعاتبه على لسان إسحاق الموصلي، فأدّى إليه إسحاق الرسالة؛ فكتب إليه أبي:
  إنّ المنيّة أمهلتك عتاهي ... والموت لا يسهو وقلبك ساهي
  يا ويح ذي السنّ الضعيف أماله ... عن غيّه قبل الممات تناهي
  وكَّلت بالدنيا تبكَّيها وتن ... دبها وأنت عن القيامة لاهي
  والعيش حلو والمنون مريرة ... والدّار دار تفاخر وتباهى
(١) في جميع الأصول: «ونبيكم محمد ﷺ قريب العهد بكم ﷺ وعلى آله». ويظهر أن هذا تكرار من النساخ.