أخبار حسان بن ثابت ونسبه
  نهى عمر بن الخطَّاب الناس أن ينشدوا شيئا من مناقضة الأنصار ومشركي قريش، وقال: في ذلك شتم الحيّ(١) بالميّت، وتجديد الضغائن، وقد هدم اللَّه أمر الجاهليّة بما جاء من الإسلام. فقدم المدينة عبد اللَّه بن الزّبعري السّهمي وضرار بن الخطَّاب الفهريّ ثم المحاربيّ، فنزلا على أبي أحمد بن جحش، وقالا له: نحبّ أن ترسل إلى حسّان بن ثابت حتّى يأتيك، فننشده وينشدنا مما قلنا له وقال لنا. فأرسل إليه فجاءه؛ فقال له: يا أبا الوليد، هذان أخواك ابن الزّبعري وضرار قد جاءا أن يسمعاك وتسمعهما ما قالا لك وقلت لهما. فقال ابن الزّبعري وضرار: نعم يا أبا الوليد، إن شعرك كان يحتمل في الإسلام ولا يحتمل شعرنا، وقد أحببنا أن نسمعك وتسمعنا.
  فقال حسّان: أفتبدآن أم أبدأ؟ قالا: نبدأ نحن. قال: ابتدئا؛ فأنشداه حتى فار فصار كالمّرجل غضبا، ثم استويا على راحلتيهما يريدان مكة؛ فخرج حسّان حتى دخل على عمر بن الخطَّاب فقصّ عليه قصّتهما وقصّته. فقال له عمر:
  لن يذهبا عنك بشيء إن شاء اللَّه، وأرسل من يردّهما، وقال له عمر: لو لم تدركهما إلَّا بمكة فارددهما عليّ.
  وخرجا فلمّا كانا بالرّوحاء(٢) رجع ضرار إلى صاحبه بكره، فقال له يا بن الزّبعري: أنا أعرف عمر وذبّه عن الإسلام وأهله، / وأعرف حسّان وقلَّة صبره على ما فعلنا به، وكأنّي به قد جاء وشكا إليه ما فعلنا، فأرسل في آثارنا وقال لرسوله: إن لم تلحقهما إلَّا بمكة فارددهما عليّ؛ فاربح بنا ترك العناء وأقم بنا مكاننا؛ فإن كان الذي ظننت فالرجوع من الرّوحاء أسهل منه من أبعد منها، وإن أخطأ ظنّي فذلك الذي نحبّ ونحن من وراء المضيّ. فقال ابن الزّبعري: نعم ما رأيت. قال: فأقاما بالرّوحاء، فما كان إلا كمرّ الطائر حتّى وافاهما رسول عمر فردّهما إليه؛ فدعا لهما بحسّان، وعمر في جماعة من أصحاب رسول اللَّه ﷺ، فقال لحسّان: أنشدهما مما قلت لهما؛ فأنشدهما حتّى فرغ مما قال لهما فوقف. فقال له عمر: أفرغت؟ قال نعم. فقال له: أنشداك في الخلاء وأنشدتهما في الملا. وقال لهما عمر: إن شئتما فأقيما، وإن شئتما فانصرفا. وقال لمن حضره: إنّي قد كنت نهيتكم أن تذكروا مما كان بين المسلمين والمشركين شيئا دفعا للتضاغن عنكم وبثّ القبيح فيما بينكم، فأمّا إذ أبوا فاكتبوه / واحتفظوا به. فدوّنوا ذلك عندهم. قال خلَّاد(٣) بن محمد: فأدركته واللَّه وإنّ الأنصار لتجدّده عندها إذا خافت بلاه.
  شعر له في هجو أبي سفيان بن الحارث:
  أخبرنا أحمد(٤) بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عفّان بن مسلم قال حدّثنا عمران بن زيد قال: سمعت أبا إسحاق قال في قصة حسّان وأبي سفيان بن الحارث نحو ما ذكره مما قدّمنا ذكره، وزاد فيه: فقال حسّان فيه:
  وإنّ سنام المجد من آل هاشم ... بنو بنت(٥) مخزوم، ووالدك العبد
= في «الطبقات» (ج ٥ ص ٥٨ - ٥٩ طبع أوروبا). على أن السند كله مضطرب ولم نوفق لتحقيقه.
(١). في «أسد الغابة»: «وقال في ذلك شتم الحيّ والميت إلخ».
(٢). الروحاء: موضع بين مكة والمدينة على نحو ثلاثين ميلا من المدينة.
(٣). لم نجد هذا الاسم في «كتب التراجم» التي بين أيدينا. وقد تقدم في سند هذا الخبر رجلان كل منهما يسمى خالد بن محمد، فلعله أحدهما.
(٤). في الأصول: «محمد بن عبد العزيز» وظاهر جدّا أنه أحمد بن عبد العزيز الجوهري الذي يروي عن عمر بن شبة، ويروي عنه كثيرا أبو الفرج.
(٥). بنت مخزوم: يريد بها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وهي أم عبد اللَّه (أبى النبيّ ﷺ) والزبير وأبي طالب أبناء عبد المطلب. ووالدك العبد: يريد به الحارث بن عبد المطلب وهو أبو أبي سفيان.