كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان بن ثابت ونسبه

صفحة 360 - الجزء 4

  قدم وفد تميم على النبيّ مفتخرين فأمره النبيّ أن يجيب شاعرهم:

  أخبرنا أحمد قال حدّثنا / عمر قال حدّثنا عبد اللَّه بن عمرو وشريح بن النّعمان قالا حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:

  لمّا قدم وفد بني تميم وضع النبيّ لحسّان منبرا وأجلسه عليه، وقال: «إنّ اللَّه ليؤيّد حسّان بروح القدس ما كافح⁣(⁣١) عن نبيّه» . هكذا روى أبو زيد هذا الخبر مختصرا. وأتينا به على تمامه هاهنا؛ لأنّ ذلك حسن فيه:

  أخبرنا به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن الضحّاك عن أبيه قال:

  قدم على النبيّ وفد بني تميم وهم سبعون أو ثمانون رجلا، فيهم الأقرع بن حابس، والزّبرقان بن بدر، وعطارد بن حاجب، وقيس بن عاصم، وعمرو بن الأهتم، وانطلق معهم عيينة بن حصن، فقدموا المدينة، فدخلوا المسجد، فوقفوا عند الحجرات، فنادوا بصوت عال جاف: اخرج إلينا يا محمد؛ فقد جئنا لنفاخرك، وقد جئنا بشاعرنا وخطيبنا. فخرج إليهم رسول اللَّه / فجلس. فقام الأقرع بن حابس فقال: واللَّه إنّ مدحي لزين، وإن ذمّي لشين. فقال النبيّ : «ذلك اللَّه». فقالوا: إنّا أكرم العرب. فقال رسول اللَّه : «أكرم منكم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم #». فقالوا: إيذن لشاعرنا وخطيبنا. فقام رسول اللَّه فجلس وجلس معه الناس، فقام عطارد بن حاجب فقال:

  الحمد للَّه الذي له الفضل علينا وهو أهله، الذي جعلنا ملوكا وجعلنا أعزّ أهل المشرق⁣(⁣٢)، وآتانا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف، ليس في الناس مثلنا؛ ألسنا برؤوس النّاس وذوي فضلهم! فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، ولو نشاء لأكثرنا، ولكنّا نستحي من الإكثار فيما خوّلنا اللَّه وأعطانا. أقول هذا، فأتوا بقول أفضل من قولنا، أو أمر أبين من أمرنا. ثم جلس.

  فقام ثابت بن قيس بن شمّاس فقال: الحمد للَّه الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهنّ أمره ووسع كرسيّه علمه⁣(⁣٣)، ولم يقض شيئا إلَّا من فضله وقدرته؛ فكان من قدرته أن اصطفى من خلقه لنا رسولا أكرمهم حسبا وأصدقهم حديثا وأحسنهم رأيا، فأنزل عليه كتابا، وأتمنه على خلقه، وكان خيرة اللَّه من العالمين. ثم دعا⁣(⁣٤) رسول اللَّه إلى الإيمان، فأجابه من قومه وذوي رحمه المهاجرون أكرم الناس أنسابا، وأصبح الناس وجوها، وأفضل الناس فعالا. ثم كان أوّل من اتّبع رسول اللَّه من العرب واستجاب له نحن معشر الأنصار؛ / فنحن أنصار اللَّه ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا ويقولوا: لا إله إلَّا اللَّه. فمن آمن باللَّه ورسوله منع منّا ماله ودمه، ومن كفر باللَّه ورسوله جاهدناه في اللَّه، وكان جهاده يسيرا. أقول قولي هذا، وأستغفر اللَّه للمؤمنين والمؤمنات.

  فقام الزّبرقان فقال:


(١) في ح: «ما نافح» بالحاء المهملة، وهما بمعنى واحد.

(٢) في الطبري (ص ١٧١١ من القسم الأوّل طبع أوروبا): «وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثره عددا وأيسره عدة ... إلخ».

(٣) كذا في «سيرة ابن هشام» (ص ٩٣٥ طبع أوروبا) والطبري. وفي الأصول: «ووسع كرسيه وعلمه» بواو العطف. وقد وردت هاتان الخطبتان في «السيرة» والطبري باختلاف يسير عما هنا.

(٤) في «سيرة ابن هشام» والطبري: «ثم دعا الناس إلى ... إلخ».