كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان بن ثابت ونسبه

صفحة 365 - الجزء 4

  ومالك بن الربيع بن مالك حدّثاني جميعا عن الرّبيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه قال:

  بينا نحن جلوس عند حسّان بن ثابت، وحسّان مضطجع مسند رجليه إلى فارع⁣(⁣١) قد رفعهما عليه، إذ قال:

  مه! أما رأيتم ما مرّ بكم الساعة؟ قال مالك: قلنا: لا واللَّه، وما هو؟ فقال حسّان: فاختة⁣(⁣٢) مرّت الساعة بيني وبين فارع فصدمتني، أو قال: فزحمتني. قال: قلنا: وما هي؟ قال:

  /

  ستأتيكم غدوا أحاديث جمّة ... فأصغوا لها آذانكم وتسمّعوا

  قال مالك بن أبي عامر: فصبحنا من الغد حديث صفّين.

  سمعه المغيرة بن شعبة ينشد شعرا فبعث إليه بمال:

  أخبرنا وكيع قال حدّثنا اللَّيث بن محمد عن الحنظليّ عن أبي عبدة عن العلاء بن جزء العنبري قال:

  بينا حسّان بن ثابت بالخيف وهو مكفوف، إذ زفر زفرة ثم قال:

  وكأنّ حافرها بكلّ خميلة⁣(⁣٣) ... صاع يكيل به شحيح معدم

  عاري الأشاجع⁣(⁣٤) من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنّه من يقدم⁣(⁣٥)

  قال: والمغيرة بن شعبة جالس قريبا منه يسمع ما يقول، فبعث إليه بخمسة آلاف درهم. فقال: من بعث بهذا؟ قال⁣(⁣٦): المغيرة بن شعبة سمع ما قلت. قال: وا سوءتاه! وقبلها.

  استجار الحارث بن عوف من شعره بالنبي:

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني الأصمعيّ قال:

  جاء الحارث بن عوف بن أبي حارثة إلى النبيّ فقال: أجرني من شعر حسّان، فلو مزج البحر بشعره لمزجه. قال: وكان السبب في ذلك - فيما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة عن الأصمعيّ، وأخبرني به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب - أنّ الحارث بن عوف أتى رسول اللَّه فقال: ابعث معي / من يدعو إلى دينك وأنا له جار. فأرسل معه رجلا من الأنصار. فغدرت بالحارث عشيرته فقتلوا الأنصاريّ، فقدم الحارث على رسول اللَّه ، وكان عليه الصلاة والسلام لا يؤنّب أحدا في وجهه، فقال: «ادعوا لي حسّان»؛ فدعي له. فلمّا رأى الحارث أنشده:

  يا حار من يغدر بذمّة جاره ... منكم فإنّ محمدا لم يغدر


(١) فارع: اسم أطم، وهو حصن بالمدينة كان لحسان بن ثابت.

(٢) الفاختة: واحدة الفواخت، وهي ذوات الأطواق من الحمام؛ قيل لها ذلك للونها لأنه يشبه الفخت الذي هو ضوء القمر.

(٣) الخميلة: الأرض السهلة التي تنبت، شبه نبتها بخمل القطيفة.

(٤) الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، وقيل: هي عروق ظاهر الكف، واحدها: أشجع.

(٥) يقدم: أبو قبيلة، وهو يقدم بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وهو يحتمل أن يكون بضم الميم، فيكون علما منقولا عن جملة، نحو:

نبئت أخوالي بني يزيد

وأن يكون بكسرها، وبفتحها على أنه ممنوع من الصرف، فيكون فيه إقواء.

(٦) كذا في جميع الأصول. وكان الأولى أن يكون «قيل» أو «قالوا».