أخبار حسان بن ثابت ونسبه
  ومالك بن الربيع بن مالك حدّثاني جميعا عن الرّبيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه أنه قال:
  بينا نحن جلوس عند حسّان بن ثابت، وحسّان مضطجع مسند رجليه إلى فارع(١) قد رفعهما عليه، إذ قال:
  مه! أما رأيتم ما مرّ بكم الساعة؟ قال مالك: قلنا: لا واللَّه، وما هو؟ فقال حسّان: فاختة(٢) مرّت الساعة بيني وبين فارع فصدمتني، أو قال: فزحمتني. قال: قلنا: وما هي؟ قال:
  /
  ستأتيكم غدوا أحاديث جمّة ... فأصغوا لها آذانكم وتسمّعوا
  قال مالك بن أبي عامر: فصبحنا من الغد حديث صفّين.
  سمعه المغيرة بن شعبة ينشد شعرا فبعث إليه بمال:
  أخبرنا وكيع قال حدّثنا اللَّيث بن محمد عن الحنظليّ عن أبي عبدة عن العلاء بن جزء العنبري قال:
  بينا حسّان بن ثابت بالخيف وهو مكفوف، إذ زفر زفرة ثم قال:
  وكأنّ حافرها بكلّ خميلة(٣) ... صاع يكيل به شحيح معدم
  عاري الأشاجع(٤) من ثقيف أصله ... عبد ويزعم أنّه من يقدم(٥)
  قال: والمغيرة بن شعبة جالس قريبا منه يسمع ما يقول، فبعث إليه بخمسة آلاف درهم. فقال: من بعث بهذا؟ قال(٦): المغيرة بن شعبة سمع ما قلت. قال: وا سوءتاه! وقبلها.
  استجار الحارث بن عوف من شعره بالنبي:
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني الأصمعيّ قال:
  جاء الحارث بن عوف بن أبي حارثة إلى النبيّ ﷺ فقال: أجرني من شعر حسّان، فلو مزج البحر بشعره لمزجه. قال: وكان السبب في ذلك - فيما أخبرني به أحمد بن عبد العزيز عن عمر بن شبّة عن الأصمعيّ، وأخبرني به الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي مصعب - أنّ الحارث بن عوف أتى رسول اللَّه ﷺ فقال: ابعث معي / من يدعو إلى دينك وأنا له جار. فأرسل معه رجلا من الأنصار. فغدرت بالحارث عشيرته فقتلوا الأنصاريّ، فقدم الحارث على رسول اللَّه ﷺ، وكان عليه الصلاة والسلام لا يؤنّب أحدا في وجهه، فقال: «ادعوا لي حسّان»؛ فدعي له. فلمّا رأى الحارث أنشده:
  يا حار من يغدر بذمّة جاره ... منكم فإنّ محمدا لم يغدر
(١) فارع: اسم أطم، وهو حصن بالمدينة كان لحسان بن ثابت.
(٢) الفاختة: واحدة الفواخت، وهي ذوات الأطواق من الحمام؛ قيل لها ذلك للونها لأنه يشبه الفخت الذي هو ضوء القمر.
(٣) الخميلة: الأرض السهلة التي تنبت، شبه نبتها بخمل القطيفة.
(٤) الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف، وقيل: هي عروق ظاهر الكف، واحدها: أشجع.
(٥) يقدم: أبو قبيلة، وهو يقدم بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار. وهو يحتمل أن يكون بضم الميم، فيكون علما منقولا عن جملة، نحو:
نبئت أخوالي بني يزيد
وأن يكون بكسرها، وبفتحها على أنه ممنوع من الصرف، فيكون فيه إقواء.
(٦) كذا في جميع الأصول. وكان الأولى أن يكون «قيل» أو «قالوا».