كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان بن ثابت ونسبه

صفحة 366 - الجزء 4

  إن تغدروا فالغدر منكم شيمة ... والغدر ينبت في أصول السّخبر⁣(⁣١)

  فقال الحارث: اكففه عنّي يا محمد، وأؤدّي إليك دية الحفارة⁣(⁣٢)؛ فأدّى إلى النبيّ سبعين عشراء⁣(⁣٣)، وكذلك دية الخفارة، وقال: يا محمد، أنا عائذ بك من شرّه، فلو مزج البحر بشعره مزجه.

  أنشد شعرا بلغ النبي فآلمه فضربه ابن المعطل وعوّضه النبي:

  أخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إبراهيم بن المنذر قال حدّثنا عبد اللَّه بن وهب قال أخبرنا العطَّاف بن خالد قال:

  كان حسّان بن ثابت يجلس إلى أطمه فارع، ويجلس معه أصحاب له ويضع لهم بساطا يجلسون عليه؛ فقال يوما، وهو يرى كثرة من يأتي إلى النبيّ من العرب فيسلمون:

  /

  أرى الجلابيب⁣(⁣٤) قد عزّوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة⁣(⁣٥) البلد

  فبلغ ذلك رسول اللَّه ، فقال: «من لي بأصحاب البساط بفارع؟». فقال صفوان بن المعطَّل: أنا لك يا رسول اللَّه منهم؛ فخرج إليهم فاخترط سيفه، فلمّا راوه عرفوا الشرّ في وجهه ففرّوا وتبدّدوا، وأدرك حسّان داخلا بيته، فضربه وفلق أليته. قال: فبلغنا أنّ النبيّ عوّضه وأعطاه حائطا⁣(⁣٦)، فباعه من معاوية بعد ذلك بمال كثير، فبناه معاوية قصرا، وهو الذي يقال له: «قصر الدّارين». وقد قيل: إنّ صفوان بن المعطَّل إنما ضرب حسّان لما قاله فيه وفي عائشة زوج النبيّ من الإفك⁣(⁣٧)؛ لأن صفوان / هو الذي رمى أهل الإفك عائشة به.


(١) السخبر: شجر إذا طال تدلت رؤوسه وانحنت، وقيل: هو شجر من شجر الثمام له قضب مجتمعة وجرثومة. وفي «اللسان» يقال:

ركب فلان السخبر إذا غدر، وذكر البيت.

(٢) الخفارة (مثلثة الخاء): الذمام.

(٣) العشراء من النوق: التي مضى على حملها عشرة أشهر، وقيل: ثمانية.

(٤) كذا في أكثر الأصول، وهو الموافق لما في «الطبري» (ص ١٥٢٦ من القسم الأوّل) و «اللسان» مادة «بيض» و «التنبيه»: (ص ٧٦ طبع دار الكتب المصرية) و «الأضداد في اللغة» (ص ١١٨ طبع بيروت). وقال البكري في «التنبيه»: «وكان المنافقون يسمون المهاجرين ¤ الجلابيب». وفي «اللسان»: «أراد بالجلابيب سفلة الناس وغثراءهم». وفي س و «تاج العروس شرح القاموس» (ج ٥ ص ١٢) و «الديوان»: «الخلابيس». وقال في «الشرح»: الخلابيس: الأخلاط من كل وجه. (انظر» ديوانه «المطبوع في ليدن سنة ١٩١٠ ص ٩١).

(٥) العرب تقول للرجل: هو بيضة البلد، يمدحونه بذلك، وتقول للآخر: هو بيضة البلد، يذمونه بذلك. والممدوح يراد به البيضة التي يحضنها الظليم ويقيها؛ لأن فيها فرخه. والمذموم يراد به البيضة المنبوذة بالعراء المذرة التي لا حافظ لها ولا يدري لها أب وهي تريكة الظليم. قال الرمّاني: إذا كانت النسبة إلى مثل المدينة ومكة والبصرة فبيضة البلد مدح، وإذا نسب إلى البلاد التي أهلها أهل ضعة فبيضة البلد ذم.

(٦) الحائط: البستان. وفي كتاب «التنبيه» للبكري: فأعطاه النبيّ عوضا: بيرحاء (وهي قصر بني جديلة اليوم بالمدينة)، وسيرين (أمة قبطية وهي أم عبد الرحمن بن حسان ®). وسيذكر المؤلف هذه الرواية في ص ١٦٢ من هذا الجزء.

(٧) يعني أبو الفرج بالإفك هنا الحديث الذي تخرّصه قوم على عائشة ^، وكان ذلك عقب غزوة غزاها النبيّ كان يستصحب فيها عائشة؛ فحدث أنه أمر بالرحيل، وكانت عائشة منطلقة لبعض شأنها، فأمر بهودجها فحمل على بعيره، وظن القوم أنها فيها ولم تكن هناك. فلما رجعت عائشة إلى الهودج ألفت النبيّ وأصحابه قد ارتحلوا؛ فمكثت مكانها حتى عثر بها صفوان بن المعطل؛ فرجعها إلى المدينة؛ فأرجف بها أناس ورموها بالإفك، وكان منهم حسان بن ثابت ¥.