أخبار حسان بن ثابت ونسبه
  لساني مغول لا عيب فيه ... وبحري ما تكدّره الدّلاء
  عن مناصرة أمية بنت عبد مناف يوم الخندق:
  أخبرنا محمد بن جرير قال حدّثنا محمد بن حميد قال حدّثنا سلمة قال حدّثني محمد بن إسحاق عن يحيى بن عبّاد بن عبد اللَّه بن الزّبير عن أبيه قال:
  / كانت صفيّة بنت عبد المطَّلب في فارع (حصن حسّان بن ثابت)، يعني يوم الخندق. قالت: وكان حسّان معنا فيه والنساء والصّبيان. قالت: فمرّ بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول اللَّه ﷺ، ليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنّا، ورسول اللَّه والمسلمون في نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم، إذ أتانا آت. قالت: فقلت: يا حسّان، إنّ هذا اليهوديّ كما ترى يطيف بالحصن، وإنّي واللَّه ما آمنه أن يدلّ على عوراتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنّا رسول اللَّه ﷺ وأصحابه، فانزل إليه فاقتله؛ فقال: يغفر اللَّه لك يا ابنة عبد المطَّلب! لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلمّا قال ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت(١) ثم أخذت عمودا ثم نزلت إليه من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته، فلمّا فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت:
  يا حسّان، انزل إليه فاسلبه؛ فإنّه لم يمنعني من سلبه إلَّا أنّه رجل. قال: ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطَّلب.
  حديث ابن الزبير عن يوم الخندق وفي حديثه ما يبين جبن حسان:
  وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عليّ بن صالح عن جدّي عبد اللَّه بن مصعب عن أبيه قال:
  كان ابن الزّبير يحدّث أنه كان في فارع (أطم حسّان بن ثابت) مع النساء يوم الخندق ومعهم عمر بن أبي سلمة. قال ابن الزّبير: ومعنا حسّان بن ثابت ضاربا وتدا في آخر الأطم، فإذا حمل أصحاب رسول اللَّه ﷺ على المشركين حمل على الوتد فضربه بالسيف؛ وإذا أقبل المشركون انحاز عن الوتد حتّى كأنه يقاتل قرنا، يتشبّه بهم كأنّه يري أنّه مجاهد حين جبن. وإنّي لأظلم ابن أبي سلمة / وهو أكبر منّي بسنتين فأقول له: تحملني على عنقك حتّى أنظر، فإنّي أحملك إذا نزلت. قال: فإذا حملني ثم سألني أن يركب قلت له: هذه المرّة أيضا. قال: وإنّي لأنظر إلى أبي معلما بصفرة، فأخبرتها أبى بعد؛ فقال: [أين كنت(٢) حينئذ؟ فقلت: على عنق ابن أبي سلمة يحملني.
  فقال]: أما والَّذي نفسي بيده إنّ رسول اللَّه ﷺ ليجمع لي أبويه(٣).
  قال ابن الزّبير: وجاء يهوديّ يرتقي إلى الحصن. فقالت صفيّة له: أعطني السيف، فأعطاها. فلمّا ارتقى اليهوديّ ضربته حتّى قتلته، ثم احتزّت(٤) رأسه فأعطته حسّان وقالت: طوّح به؛ فإنّ الرجل أقوى وأشدّ رمية من المرأة. تريد أن ترعب به أصحابه.
(١) يقال: احتجز بردائه، إذا شدّه على وسطه.
(٢) هذه العبارة موجودة في س وساقطة من سائر الأصول.
(٣) يعني أن النبي ~ كان يقول له: فداك أبي وأمي.
(٤) كذا في أكثر الأصول. وفي ب، س: «اجتزت» بالجيم المعجمة. وما اخترناه أصوب في هذا المقام؛ لأن الحز قطع العنق ونحوه، والجز للشعر والحشيش ونحوهما.