المسألة الثالثة [الوجه البلاغي في الآية]
  من الأزمان من عهد رسول الله ÷ إلى يومنا هذا من جماعة لا يمكن حصرهم يحفظون القرآن، ويدرسونه ويعلمونه الناس لا تخفى عليهم زيادة حركة ولا نقصها، فكيف يصح أن تزيد فيه آية أو أكثر أو ينقص منه ذلك ولا يشعرون به؟ ومن المعلوم أنه لو زيد في هذه الكتب المؤلفة في فنون العلم المتداولة بين الناس فصل أو باب لعلمه أهل ذلك الفن وأنكروه في الحال، فكيف بكتاب الله الذي يتعلق به الخاص والعام والعالم والجاهل؟! والأمر في هذا واضح لا يحتاج إلى كثير بيان، ومنها: ما يرجع إلى القدح في فصاحته وبلاغته ومطابقته للغة العرب وغير ذلك مما يتوصلون به إلى القدح في إعجازه(١) وصحته، وهذا النوع قد تعلقوا فيه بشبه أخذوها من ظواهر بعض الآيات، وسنجيب عن كل شبهة في مواضعها إن شاء الله.
  ومن جملة ما يقال في هذه السورة الكريمة: أنها مشتملة على الحشو وهو تطويل الكلام لا لفائدة، وذلك أن الله تعالى قد ذكر المنعم عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، ولا شك أن من أنعم الله عليه بذلك لا يكون مغضوبا عليه ولا ضالاً فلا تكون زيادة قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧] إلا تطويلاً خاليا عن الفائدة، وربما قالوا أن أكثر آيات الفاتحة تطويل وحشو، وذلك أن جميع ما فيها من المعاني قد اشتملت عليها آيتان منها وهما قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٥}[الفاتحة] لأن من عرف ملك يوم الدين فقد عرفه بأسمائه الحسنى وصفاته المثلى، ومن عبد الله فهو متبع لسبيل المنعم عليهم عادل عن سبيل المغضوب عليهم ولا الضالين.
(١) كدعواهم التناقض ونحوه. تمت مؤلف.