المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]
تنبيه
  ما تقدم من أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المقبحات يدلُّ على أنه لا يريد المكروه كراهة تنزيه، ولا يكرهه، وهو كذلك؛ وفي حكمه الفعل اليسير والصادر عن غير المكلف، سواء كان الصادر عنه قبيحاً كالواقع من الساهي والنائم والبهائم، فإنها وإن لم تقبح منهم فإنها قبيحة في نفسها عند من لا يعتبر القصد والعلم. كما مرَّ في الاستعاذة؛ والقول بأن الله تعالى لا يريد هذه الأنواع متفق عليه بين الشيوخ؛ لأنه لا غرض له سبحانه في إرادتها؛ إذ الغرض له جلَّ وعزَّ في إرادة فعل غيره ترجيح وجوده على عدمه، والبعث عليه، وهذا مبني على التكليف بفعله، وهذه الأنواع قبيحة، وما لم يكن حسناً فالكراهة لا يوجدها تعالى إلا للزجر عن الفعل، ولا مدخل لذلك هنا. وهذه الدلالة بعينها تدلُّ على أنه لا يكره المباح ولا يريده، وقد تقدم نحو ما هنا في عدم إرادة المباح وكراهته.
  فإن قيل: إذا لم يكره المكروه فلِمَّ سمي مكروهاً؟
  قيل: إنما سمي بذلك تجوزاً؛ إذ النهي عنه ليس حقيقياً؛ إذ لم يقترن بوعيد ولا غيره مما يقتضي قبحه، فكان سبب تسميته مشابهته للقبيح من وجه، وهو استحقاق الثواب بتركه.
الفصل الثاني في الخلاف في إرادته تعالى لنعيم أهل الجنة
  ذهب أبو علي إلى أنه لا يجوز من الله تعالى أن يريد أكلهم، وسائر ما يتلذذون به من النعيم؛ لأنه مباح، وقد تقدم أنه لا يريد المباح.