المسألة التاسعة [الإيمان بالغيب]
المسألة التاسعة [الإيمان بالغيب]
  اعلم أن الله تعالى قد جعل من صفات المتقين الإيمان بالغيب، فينبغي إمعان النظر في معرفة المعنى المراد بالغيب المذكور، فقيل: المراد أنهم يؤمنون بالله حال الغيب كما يؤمنون به حال الحضور، لا كالمنافقين الذين {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ}[البقرة: ١٤] وهذا قول أبي مسلم، ونظيره قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}[يوسف: ٥٢] فيكون المراد مدح المؤمنين بأن ظاهرهم موافق لباطنهم.
  وقال عاصم أبن أبي النجود: الغيب القرآن. وقال الضحاك: كلمة التوحيد وما جاء به محمدٌ ÷، وقال الكلبي: ما لم ينزل من القرآن. وقال زر بن حبيش، وابن جريج، وروي عن ابن عباس أنه: علم الوحي. وقال عبد الله بن هاني: ما غاب من علوم القرآن. وقال الحسن: أمر الآخرة، وقال عطاء، وابن جبير وهو ظاهر كلام القاسم بن إبراهيم #: إنه الله تعالى. وقيل: ما أظهره الله على أوليائه من الكرامات. وقيل: القضاء والقدر. وقال جماعة من المحققين: الغيب ما غاب عن الحس والعقل غيبة كاملة بحيث لا يدرك بواحد منهما ابتداء بطريق البداهة، وهو قسمان:
  قسم لا دليل عليه، وهو الذي أريد بقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ}[الأنعام: ٥٩]، وقسم نصب لنا عليه دليلاً، وعلى هذا فالمراد من الآية مدح المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب الذي عليه دليل بأن