المسألة السابعة [استطراد لذكر الحسن والقبح العقليين]
البحث الثالث: في بيان حسن تكليف من لا يقبل
  وهو الذي تضمنه المثال، وبيان الفرق بين تكليف الله لمن يعلم منه عدم القبول وبين ما ذكره في المثال أن الواحد منا إذا أمر عبده بأمر، وهو يعلم أنه يعصيه ويستخف به، فإنه يقبح منه، أما بيان حسن التكليف ممن يعلم منه عدم القبول فلأن الوجه الذي حسن لأجله تكليف من يقبل حاصل في هذا، وهو التعريض على الخير، ولا فرق بين المكلفين إلا أن المؤمن أحسن الاختيار، والعاصي أساء الاختيار لنفسه، وسيأتي لهذه المسألة تحقيق يستوفي جميع أدلتها، والجواب عما يرد عليها. وأما بيان الفرق بين تكليف من علم أنه لا يؤمن، وبين ما ذكره في المثال، فنقول: إذا ثبت حسن هذا التكليف، وتقرر أنه يقبح من الله ما يقبح من غيره، وأنه لا يفعل القبيح لعلمه وغناه، وأنه لا يفعل إلا لغرض وحكمة مع ظهور وجه في تكليف من يقبل ومن لا يقبل ظهر الفرق، وبطل قولهم في المثال: إن الله يفعل أفعالاً لو وقعت من أحدنا لقبحت، بل نقول: لو قدرنا وقوعها من أحدنا على الوجه الذي وقعت من الله تعالى عليه لحسنت، وأما ما ذكروه من قياس فعل الحكيم في الشاهد على فعل الله تعالى الذي ذكروه في هذا المثال، فهو قياس فاسد لوجود الفارق، وهو أن الحكيم ينتفع بالطاعة والثناء؛ لأنه يحصل له لذة وسرور بهما، ويتضرر بالمعصية والشتم؛ لأنه يلحقه غم بسببهما، والمعلوم أن العقلاء يذمون من دفع ماله فيما يعود عليه وباله، وليس كذلك الباري تعالى، إذ لا يجوز