المسألة التاسعة [في الفسق والفساق]
الشبهة الثالثة [الصلة بين الفسق والكفر]
  أن الفسق يضاد الإيمان ويمنعه، فيجب أن يكون كفراً.
  والجواب: لا نسلم أنه يضاده، بل يخالفه، فيجوز أن يكون معه بعض خصال الإيمان. فهذه شبههم العقلية.
  وأما السمعية: فآيات كثيرة من كتاب الله، وسنتكلم عليها في مواضعها إن شاء الله، إلا أنا نذكر منها شبهة واحدة هي أقوى ما تمسكوا به، وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ١٩}[البلد] فليكن كافراً.
  والجواب: أن الآية واردة مورد المبالغة في استحقاق الكفار للنار، فكأنهم لكبر معصيتهم، وعظم عقابهم، وقوة استحقاقهم إياه هم أصحاب المشأمة المستحقون لدخول النار، دون غيرهم، ونظيرها ما مرَّ في وجه اختصاص المتقين بكون القرآن هدىّ لهم في قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ٢}[البقرة] مع أنه هدىً للناس. ومنه قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}[الأنفال: ٤] فكأنه قال: لا مؤمن غيرهم، وليس المراد به إلا للمبالغة في وصفهم بالإيمان، لما علم من ثبوت إيمان من لم يستكمل تلك الأوصاف. ومنه قوله ÷ لما سمع من يذم كفار قريش: «إن أولئك للملأ» فكأنه قال: لا ملأ غيرهم، وغير ذلك كثير.
  فإن قيل: إنما وجب حمل هذه النظائر على المبالغة للعلم بأن الظاهر غير مراد، بخلاف هذه الآية، فلا موجب لحملها على ذلك.
  قيل: بل الموجب ما مرَّ من أن الفاسق ليس بكافر.