المسألة الرابعة [في الدليل على تحريم الحيل]
  الوجه الثامن: ما ذكره الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم وجعله من طريقة القياس، ولفظه: ومن القياس أن يقال: كل فعل توصل به إلى مخالفة الشريعة، وميل بها عن أسرارها التي جعل الله لاختلاف الأحكام فهو باطل؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}[القصص: ٥٠] وقوله ÷: «فمن أحدث في ديننا هذا ما ليس فيه فهو رد عليه» وقوله ÷: «ليس منا من غش مسلماً، أوضره، أو ماكره» ولأن إسقاط الحقوق إضرار بأهلها، ومما روي عنه ÷: أنه قال: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» قال: وهذا دليل على أن ليس في الإسلام حكم يثبت به الضرر والإضرار.
[حجج المجيزين للحيل]
  احتج القائلون بالجواز مطلقاً بوجوه:
  أحدها: أن الله قد شرع الحيل لأنبيائه، وقصها علينا في كتابه؛ لنقتدي بفعلهم، ونهتدي بهداهم، وفي قصة يوسف مع إخوته، وأيوب في ضربه بالضغث لزوجته ما لا يمكن معه إنكار شرعية الحيلة، وحسن التوصل إلى المخارج من المضايق بكل حيلة؛ بل قد أعلمنا الله سبحانه أنه مكر بمن مكر بأنبيائه، وخادع المنافقين مع أنه تعالى قادر على أخذهم بغير المكر والخداع، ولكن جازاهم بجنس فعلهم، وليعلم عباده أن المكر والخداع الذي يتوصل به إلى إظهار الحق، أو يكون عقوبة للماكر ليس قبيحاً؛ وهذا شأن الحيل، فإنما يتوصل بها إلى نصرة مظلوم، وقهر ظالم، ونصرة حق، وإبطال باطل، وإعانة ملهوف،