المسألة الثانية [الاختلاف في حقيقة الحمد]
تنبيه [وقوع الحمد على الاختيار]
  آخر ما تقدم من أن الحمد لا يكون إلا على الفعل الاختياري إنما هو فيما عدا ما دل على مطلق الرضا، فأما ما كان بمعنى الرضا فقد يستعمل في الأفعال الاختيارية وغيرها، بل قد يستعمل فيما لا فعل له كما مر(١).
  وفي القاموس: وأحمد صار أمره إلى الحمد أو فعل ما يحمد عليه والأرض صادفها حميدة كحمدها وفلاناً رضي فعله ومذهبه ولم ينشره للناس.
تنبيه ثالث [استحقاق الله للحمد بالقوة]
  قد علم من قولهم إن المحمود عليه يجب أن يكون اختيارياً أن الله تعالى لا يستحق الحمد في الأزل بالفعل وإنما يستحقه بالقوة؛ إذ لا فعل له فيحمد عليه، ولا منعم عليه فيشكره، وقد نبه على هذا بعض المحققين، لا يقال: قد قالوا إنه يستحق الحمد على ذاته وصفاته لأنها مبادئ أفعال اختيارية، وتقدم أيضاً أن ثناءه على نفسه يسمى حمداً، وحينئذٍ لا يمتنع أن نقول بوقوع حمده تعالى لنفسه في الأزل، ولأن ذاته وصفاته مبادئ لما أحدثه تعالى من الأفعال وهو سبحانه لا يفعل غير المستحق لأنه حكيم، فيثبت أنه مستحق للحمد في الأزل بالفعل؛ لأنا نقول ما أردت بقولك في الأزل هل أردت به القدم الذي لا أول له، أم أردت ما تقادم عهده، إن أردت الأول لزمك إثبات قديم مع الله تعالى لأنك قد أثبت الحمد بالفعل في الأزل الذي لا أول له، وإن أردت الثاني فحمد الله تعالى لنفسه من جملة أفعاله
(١) عن أبي السعود وغيره. تمت مؤلف.