المسألة الثامنة [في ذكر ما يتفكر فيه]
المسألة الثامنة [في ذكر ما يتفكر فيه]
  اعلم: أن الآية كما دلت على وجوب النظر في معرفة الله تعالى، فكذلك قد دلت على بيان ما ينظر فيه، وقد ذكر جلَّ وعلا فيها خمسة أنواع من الأدلة، اثنين من الأنفس، وثلاثة من الآفاق، وهاتان الدلالتان هما أعظم الدلائل على إثبات الصانع المختار؛ لأنهما باقيتان على ما بقي الليل والنهار، واضحتان لذوي العقول والأبصار، ولذا كرر الله تعالى التوبيخ والذم لمن لم يكتفِ بهما، وينقاد لواضح دلالتهما، وحكم عليه بأنه من المعاندين المعرضين، فقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ١٠٥}[يوسف] وقال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ٢٠ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ٢١}[الذاريات] وقال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ٥٣}[فصلت] إلى غير ذلك من الآيات. وإذا تقرر لديك ما ذكرنا فنقول: أما الدليلان اللذان من الأنفس: فهما خلق الإنسان، و خلق من قبله من الآباء والأمهات.
  وبيان دلالتهما من وجوه:
  أحدها: أنا نعلم ضرورة أن لخلق الإنسان ابتداء وانتهاء، وذلك أنه كان نطفة ثم علقة، ثم نقل من طور إلى طورا حتى صار طفلاً قد أعدله جميع ما يصلح له دينه ودنياه، قبل حاجته إليه، فأعطي عينين، وأذنين، وأنفاً، ولساناً، وفماً، وسبيلين، ويدين، ورجلين، وعصباً،