المسألة الرابعة [في مسألة الإرادة]
  هذا القائل المعنى الأول، وهو أنها تقع ولو كرهها الله تعالى، ومنع منها على جهة القسر والحمل على تركها، فلا شك في كفره؛ لأنه كما لو قال: إن الله تعالى لا يقدر على المنع منها بالقسر لو أراده، وذلك باطل في حقه تعالى؛ لأنه قادر على هذا المنع لولا حكمة التكليف، وإن أراد الثاني وهو أنها وقعت وهو كاره لفعلها فلا محذور في ذلك، ولا يكفر من أراده، بل هو حقيقة الإيمان والقول بالعدل.
الشبهة التاسعة [هل يقبح من الله ما يقبح من غيره؟]
  إِنَّ الذي يعولون(١) عليه في هذا الباب أنه يقبح من الله ما يقبح من غيره، وهذا باطل بدليل أن إبليس يريد موت الأنبياء ويقبح منه، والباري تعالى يريد موتهم ولا يقبح منه، فهلا جاز أن يقال: إن الله تعالى يريد المعاصي ولا يقبح منه؟
  والجواب: أنه قد ثبت أنه يقبح من الباري تعالى ما يقبح من غيره، وقد مرَّ الكلام على ذلك في الفاتحة.
  وأما الصورة المذكورة فإنما قبح ذلك من إبليس - لعنه الله - ولم يقبح من الباري لاختلاف الوجه في الإرادتين؛ وذلك أن الله تعالى إنما أراد موتهم لما علمه من المصلحة، ولإرادة الخير لهم بوصول دار الكرامة، والخروج من دار الذل والإهانة، وأراد إبليس ذلك لما في موتهم من ضعف الدين والخلل على المسلمين؛ وهذا من أقوى الأدلة على إثبات الحسن والقبح العقلي؛ ألا ترى كيف اختلف الفعل الواحد حسناً وقبحاً لما اختلف وجهه.
(١) أي: العدلية، تمت.