مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثالثة [الرد على النسفي في انتقادهم للمعتزلة حول اللطف]

صفحة 1826 - الجزء 3

  فإنه لم يقل به إلا بعضهم كما مر؛ ثم إن القائلين بوجوبه لم يوجبوا إيقاعه على وجه يمتنع معه وقوع المعصية لا محالة، بل قالوا: هو ما يختار عنده المكلف الطاعة ويجتنب المعصية، أو ما يكون معه أقرب إلى الاختيار. وإذا تقرر هذا فلهم أن يقولوا: إن الله قد لطف بهم لطفاً مطلقاً بالهداية، ودعاء الرسول ÷ فلم يلتطفوا؛ ويدل عليه قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى}⁣[البقرة: ١٦] وما ضربه الله لهم من المثل بعدها بمن استوقد ناراً إلى آخره، فلما علم الله منهم عدم قبول اللطف أمدهم في طغيانهم، وقد نصوا على أنه يجوز من الله سلب الألطاف عن بعض المكلفين جزاء على عصيانهم، ويجري مجرى العقوبة لهم، وهذا هو الذي يعبرون عنه بالخذلان، وهو أحد الوجوه السابقة في تأويل الآية، فيطلق قوله: إن الآية حجة على المعتزلة والحمد الله. وقد مر الكلام على مسألة اللطف مستوفى في الفاتحة⁣(⁣١).

فائدة

  ذكر الإمام عز الدين أن كثيراً ما يتكرر في كلام الأصحاب أن الله يجعل الخذلان، وهو سلب الألطاف، وترك فعلها، والتخلية عقوبة للعاصين، وهو مناف لقواعدهم؛ لأنه إذا كان في المقدور لطف لهذا العاصي، فمن قواعدهم إيجاب فعله على الله، والمنع من تركه له؛ لأنه عندهم إخلال بواجب، وإن لم يكن له لطف فلا معنى لكون سلب اللطف عقوبة؛ لأن فعل اللطف حينئذ كتركه، بل لا يسمى لطفاً ما لا يلتطف به فلا سلب، وهذا واضح كما ترى.


(١) في المسألة الخامسة من مسائل قوله: أنعمت عليهم. تمت مؤلف.