المسألة الثالثة عشرة [حد الأمر المخصص]
  واعلم أن الأشاعرة لما كان الكلام النفسي هو العمدة عندهم لم يلحظ بعضهم إلى حد الأمر إلا باعتبار الأمر النفسي، ولم يحده بالنظر إلى الصيغة؛ لأن ذلك هو الأصل عندهم. وممن اقتصر على حد النفسي ابن السبكي في (جمع الجوامع). فقال: هو اقتضاء فعل غير كف مدلول عليه بغير كف، فالاقتضاء هو الطلب الذي يزعمونه، وهو يعم الطلب الحازم وغيره. وخرج بقوله: غير كف النهي. وقوله: بغير كف أي مدلول عليه بصيغة لا يكون لفظ (كف)، وكذا مرادفه كاترك؛ لأنها في معنى النهي. فلم تجعل الصيغة إلا دالة على الأمر، ولم يجعلها نفس الأمر كما ترى. وأورد على هذا الحد بأن فيه تعريف بالأخفى؛ لأن التعريف اشتمل على الطلب المعبر عنه بالاقتضاء، وهو نظري.
  وأجيب: بأنا لا نسلم أنه نظري، بل هو بديهي؛ فإن كل عاقل يفرق بينه وبين غيره كالأخبار، وما ذاك إلا لبداهته، سلمنا، فكونه نظرياً لا يفيد كونه أخفى من الأمر.
تنبيه
  قد تقدم في أثناء الحدود ما يفيد أن بعضهم يشترط في كون الأمر أمراً العلو، وهو كون الآمر أعلى رتبة من المأمور، وبعضهم يشترط الاستعلاء وهو الطلب بعظمة(١)، وبعضهم يشترط التحتم، وبعضهم لم يشترط شيئاً من ذلك.
(١) حاصله أن العلو هيئة في المتكلم؛ والاستعلاء هيئة في الكلام. تمت مؤلف.