المسألة الرابعة [في مسألة تكليف ما لا يطاق]
  فإنهم أنكروا أن يكون ذلك من حكم الله بدليل: {بَلْ تَحْسُدُونَنَا}[الفتح: ١٥] ورد أحكام الله معيب على الإطلاق، بخلاف الإيمان فإنه مطلوب ومأمور به في جميع الأحوال، ولا يكون محاولته قصداً إلى تبديل كلام الله في حال من الأحوال، ولا يعيب الله من حاوله قط؛ ثم إنك قد قررت أن محاولة الإيمان منهي عنها، وهذه هفوة عظيمة منك لا يقولها عاقل، وحسبك الله والله المستعان، وأكدت النهي عن الإيمان بالذم عليه، فرحم الله من تدبر كلامه قبل النطق به، فلسان العاقل وراء قلبه.
(مناقشة مسألة القضاء والقدر)
  واعلم أن هؤلاء القوم يحتجون بأحاديث يروونها في تأييد مذهبهم، ونحن نعارضهم بروايات من كتبنا وكتبهم في إبطال ما ذهبوا إليه، ونتأول ما رووه على فرض صحته، ونرده إلى دليل العقل، ومحكم الكتاب والسنة كما هو الواجب في ذلك، والتأويل أولى من التعطيل.
  قال الرازي: واعلم أن في الأخبار التي يرويها الجبرية والقدرية كثرة.
  قلت: هي مع كثرتها لا تخلو إما أن تكون متناقضة لا يمكن الجمع بينها أولا، بل يمكن رد بعضها إلى بعض، إن كان الأول وجب إطراحها والرجوع إلى غيرها من الأدلة الصحيحة عقلاً ونقلاً، وإن كان الثاني فلم نجدها إلا حجة لنا؛ لأنها إما صريحة في ما ذهبنا إليه أو محتملة للتأويل، فتأويلها بما يؤدي إلى تصحيحها من الرد