مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية في التوبة

صفحة 3125 - الجزء 5

  وحاصل القول في ذلك أنه يجب على العبد التخلص من حقوق الله على الوجه الذي يريده الله منه، ومن حقوق العباد كذلك.

فائده: [فيمن اعتذر إلى الغير ولم يتب إلى الله]

  قال القرشي: واختلف فيمن اعتذر إلى الغير ولم يتب إلى الله، فقال الجمهور: لا يقبل اعتذاره؛ لأن من حق الاعتذار أن يكون بذل الجهد في تلافي ما فرط وما لم يتب إلى الله ø فلم يبذل الجهد.

  وقال القاضي: يصح اعتذاره؛ لأن الاعتذار إنما لزمه في مقابلة كون الفعل إساءة، والتوبة تلزمه في مقابلة كونه معصية وهما أمران متغايران، ولمثل هذا يصح أن يكون معتذراً إلى زيد دون عمرو.

فائدة أخرى: [في اشتراط علم المساء إليه عند الاعتذار، وفي قبول العذر]

  قال الموفق بالله: اعلم أنه إذا أساء إلى غيره يجب أن يعتذر إليه إذا علم موقع الاعتذار، فأما إذا لم يعلمه لم يجب عليه؛ ولذلك لا يجب على أحدنا إذا أساء إلى صبي أو مجنون أن يعتذر إليه، بل يقبح فإذا اعتذر المسيء إلى المساء إليه وعلم قصده ضرورة وجب أن يقبل عذره، ولا يحسن ذمه بعد، وذلك معلوم ضرورة، فإن لم يعلم قصده وجب القبول أيضاً؛ لأنه لا يمكنه أكثر مما قد فعله، ولا يقدر على أن يخلق العلم في قلبه بأنه قصد التوبة جملة فرض عين، وأما التفاصيل فمختلفة، منها ما يجب عيناً، ومنها ما يجب كفاية كما لا يخفى.

  واعلم أنا لم نذكر من الأخبار المتعلقة بالمسألة إلا شيئاً يسيراً؛ لأن المقصود الأعظم في هذا الموضع بيان الأدلة العقلية، والجري