مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثالثة عشرة [في وجوه تربية الله للعالمين]

صفحة 739 - الجزء 2

المسألة الثالثة عشرة [في وجوه تربية الله للعالمين]

  في بعض وجوه تربية الله تعالى للعالمين على القول بأن الرب مأخوذ منها، ومعنى التربية تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً.

  اعلم أن من تفكر في وجوه تربية الله تعالى لخلقه علم علماً قطعياً لا شك فيه ولا شبهة أن هذا التدبير العظيم، والتربية اللطيفة لا تكون إلا لقادر عالم رحيم كريم مخالف لجميع أجناس المخلوقات، لأن كل من دبر تدبيرا، أو ربى تربية فإنه لا يقدر على أكثر أنواع التدبير والتربية، فلو كان مدبر العالم، ومربيه من جنس المدبرين والمربين لم يقدر على أكثر هذا التدبير، انظر إلى تدبير خلق الحيوان من أول ما يقع نطفة في رحم أمه كيف صارت تلك النطفة علقة، ثم مضغة، ثم عظاماً، ثم كسيت العظام لحماً، واتصلت بها رباطات وغيرها إلى غير ذلك من تركيب قوة السمع والبصر، وغيرهما مما لو اشتغل إنسان بالتفكر في نفسه لذهل وتحير من هذا الإحكام والتدبير، وقد نبه الله على ذلك في سورة (المؤمنون)، وفي قوله: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ٦}⁣[الإنفطار].

  وفي كلام علي #: (عجباً لهذا الإنسان كيف يأكل بعظم، وينظر بشحم) أو كما قال، وله # من التنبيه على ما قلنا كلام كثير في نهج البلاغة يدل به على عظيم القدرة، ولطف التدبير، ككلامه في إمساك السموات بغير عمد، وكلامه في خلق النحلة والنملة وغير ذلك، وسيمر بك شيء من ذلك إن شاء الله.